الرئيسية » نساء في العالم العربي »  

أوقفوا خطف النساء في سورية
28 تشرين الأول 2025

 

دمشق-نساء FM- حملة "أوقفوا خطف النساء السوريات" صرخةٌ في وجه ممارسةٍ تحوّلت سلاحاً لتفتيت ما تبقّى من النسيج الوطني السوري. فمنذ سقوط النظام، رُصدت موجات متكرّرة من اختطاف النساء المنتميات إلى أقلياتٍ محدّدة (خصوصاً من الطائفتَين العلوية والدرزية). وقد أشارت إلى هذا منظّمات حقوقية، منها منظمة العفو الدولية (أمنستي) التي وثّقت 38 حالة. وغالباً ما ترافق ذلك بعنفٍ ذي طابعٍ طائفي صريح أو مبطّن، ما يضفي على هذه الجرائم بُعداً سياسياً لا يمكن تجاهله. حين يُختطف إنسان بسبب انتمائه الطائفي، لا يكون المُستهدَف هو الفرد وحده، بقدر ما تكون المُستهدَفة هي الرموز الأخيرة للانتماء المشترك. واختطاف امرأة من جماعةٍ ما لمجرّد هويتها المذهبية يعني عملياً إعلانَ عزل هذه الجماعة وتجريدها من حقّها في الأمان، وإبلاغها بأنها "مُستباحة". من هنا، ليست مواجهة الخطف مجرّد سعي إلى إنصاف الضحايا أو تخفيف معاناتهم فقط، بقدر ما هي فعلٌ وطنيٌ سياسيّ يسعى إلى ترميم ما تهدّم من الثقة بين السوريين، إن بقي لذلك سبيل. إذ لا مصالحة وطنية يمكن أن تُبنى في ظلّ مناخ يرى فيه بعض المواطنين أنفسهم هدفاً مستمرّاً للاختطاف أو للعقاب الجماعي بممارسات مختلفة.

يمثّل تحويل جسد المرأة ميداناً للصراع السياسي أقصى أشكال الإذلال. أسر النساء واستخدام أجسادهن لإهانة مجتمعٍ بأكمله يخلّف جرحاً عميقاً لا يندمل بين أبناء ذلك المجتمع. لذلك، الدفاع عن المختطفات هو دفاع عن كرامة مجتمعاتٍ بأكملها. وتجاهل السلطة هذه الجرائم يعني مشاركةً مباشرةً في حصولها وتكريساً لواقع الإفلات من العقاب، خصوصاً حين نعلم أنّ بعض هذه الممارسات ارتُكب بأيدي مجموعاتٍ تابعةٍ لها. وهكذا يُعاد إنتاج مناخٍ يشرعن الانتهاك ويمهّد لتوسيعه.

انطلقت الحملة من أجل سلامة سورية، ومن أجل وطنٍ يتهاوى بسرعة نحو التفكّك الاجتماعي. ومطالبتها بفتح تحقيقاتٍ مستقلّة تعبّر عن إدراكٍ عميق لانعدام المساءلة والشفافية. تحميل السلطة مسؤولية هذه الاختطافات والمطالبة بتحقيقاتٍ جادّة، ليس اتهاماً فحسب، إنها دعوةٌ صريحة إلى أن تمارس دورها في حماية المواطنين والتوقّف عن فتح باب التهرّب من العقاب. كما تؤكّد الحملة استعدادها للجوء إلى المساءلة الدولية وسيلةَ ضغطٍ تفرض العدالة وتمنع الإفلات من العقاب. لكن من الضروري ألا يُحصر النقاش في النساء وحدهن؛ فصحيح أنهن الضحايا، غير أن آثار هذا العنف تجاوزتهن لتصيب المجتمع بأسره، إذ تتعمّق مظاهر انعدام الثقة بين المكوّنات، وتتوتر العلاقات اليومية، ويزداد مناخ الانتقام، وجميعها عوامل تُسرّع انهياراً أخيراً في ما تبقّى من فتات الوطنية السورية.

لهذا، تدعو الحملة إلى صياغة خطابٍ وطني عامّ جديد يضع العدالة والكرامة في صدارة المطالب، بدلاً من حصرها في خطابٍ إنساني محدود يخلو من آليات مساءلةٍ فعليّة. ليست العدالة هنا مصطلحاً قانونياً جامداً، بقدر ما هي شرطٌ لازمٌ؛ سياسيٌ وأمنيٌ واجتماعيٌ في آنٍ واحد. فتح تحقيقاتٍ مستقلّة ومحاكمة الجناة خطوتان أساسيّتان لمنع تحوّل هذه الممارسات سياسةً ممنهجةً لتصفية حضور مكوّناتٍ بعينها داخل المجتمع. تدعو الحملة إلى خطابٍ واضح يؤكّد أن سورية لا تُبنى على حساب أجساد النساء ولا عبر عقوباتٍ جماعية تطاول مكوّناتٍ بعينها، فالدول التي تستحقّ البقاء وتستطيع الاستمرار هي التي تُبنى على أساس حماية الإنسان، أيّاً كان انتماؤه.

ندعو إلى وضع إنسانية الضحايا في الصدارة، ومحاسبة منتهكيها، وضمان حمايةٍ فعّالة للسوريين كلّهم، وأولهم النساء. إذا كان لسورية أن تُبنى من جديد، فأساسها يجب أن يكون رفضاً قاطعاً لاختطاف أيّ إنسان باسم أيّ عقيدة أو طائفة. إنها حملة للمطالبة بالعدالة. والعدالة لا تتحقّق إلا بكشف الحقيقة ومساءلة المسؤولين (محلّياً، ودولياً إن لزم الأمر)، لأن جراح المجتمع لا تندمل إلا حين يُغلق باب الإفلات من العقاب، وتُفتح أبواب الحقيقة والإنصاف.