الرئيسية » تقارير نسوية » أخبار محلية »  

صغار غزة.. براءة تنطفئ تحت أنقاض الحرب وصمت العالم
28 تشرين الأول 2025

 

غزة -نساء FM- في قطاع أنهكه الحصار والدمار، لم تعد الطفولة مجرد مرحلة من البراءة والنمو، بل أصبحت صراعًا يوميًا من أجل البقاء. أطفال غزة الذين وُلدوا في ظلال الحرب والعدوان، يعيشون اليوم بين ركام المنازل، وتحت جنازير الدبابات، وفي طوابير المستشفيات الخاوية من الدواء، بلا غذاء كافٍ ولا مقاعد دراسية ينتظرون عليها المستقبل.

هناك.. في أحد أروقة مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، يجلس أحمد منصور إلى جانب طفلته التي تتلوى من الألم. يمسح جبينها بقطعة قماش مبللة، بينما يبحث بعينيه في أرجاء القسم عن ممرضة أو طبيب. كل الأسرّة ممتلئة، والدواء شحيح، وأصوات الأنين تختلط بصمت ثقيل.

يقول أحمد بصوت متعب: "لم أجد سريرًا لطفلتي.. فقضينا الليل على الأرض، ولا دواء ولا مسكنات. هذا ليس مستشفى، بل ساحة حرب أخرى".

هنا في غزة، الطفولة ليست ضحكة على وجه صغير، بل هو وجع ممتد تحت جنازير الدبابات وأنياب الجوع والمرض.

على هذا النحو، لم تعد فئة الأطفال في غزة الركيزة الأولى لبناء مجتمع القطاع، ذلك بأن الاحتلال حوّلهم إلى ضحايا دائمين لحرب لا ترحم.

منذ أكثر من عامين، تواصل آلة العدوان استهدافهم بالقتل والقصف والتجويع والحرمان من التعليم والعلاج. مدارس تحولت إلى أنقاض، ومستشفيات باتت مقابر للأمل.

تشير تقارير طبية إلى أن أكثر من 64 ألف طفل في غزة استُشهدوا أو أصيبوا منذ بداية العدوان، فيما فقد 58 ألفًا أحد والديهم.

وتوضح بيانات منظمة اليونيسف أن مليون طفل يعيشون في ظروف "غير إنسانية على الإطلاق"، وأن 40 ألفًا منهم يحتاجون يوميًا إلى الحليب، لكن ما يدخل القطاع لا يغطي سوى 10% من الحاجة الفعلية.

يقول إبراهيم أبو صقر، والد طفل جريح فقد قدميه في القصف:"أجريت له ثلاث عمليات، منها تركيب بلاتين خارجي، لكننا لا نجد مسكنات ولا مضادات حيوية. جرحه لا يلتئم لأن الغذاء غير متوفر، واللحوم والبيض والحليب أصبحت حلمًا".

وفي مدرسة مدمرة شرق غزة، يحاول سائد أبو حلاوة، وهو معلم متطوع، أن يعيد بعض الأمل إلى الأطفال. يجلس العشرات منهم في فصل بلا جدران، تحت خيمة مهترئة.

"هؤلاء لم يدخلوا مدرسة منذ ثلاث سنوات"، يقول سائد. "نحاول تعليمهم اللغة العربية والرياضيات فقط. نحن نصنع من الركام مقاعد، ومن الألم رغبة في الحياة".

منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعطلت العملية التعليمية في معظم مدارس القطاع، بعدما دمر الاحتلال مئات المدارس وحول أخرى إلى ملاجئ للنازحين.
وتقدر وزارة التربية والتعليم أن نحو 500 ألف طفل حُرموا من الدراسة للعام الثاني على التوالي، ما يعني "فاقدًا تعليميًا لا يمكن تعويضه بسهولة".

تجري مبادرات محدودة بدعم من اليونيسف وبعض المؤسسات المحلية لإعادة التعليم الجزئي في مناطق معينة، لكنها لا تشمل سوى 20% من الطلبة، وبمعدل 3 أيام أسبوعيًا فقط.

مدير جمعية العودة الصحية رأفت المجدلاوي يلخص المشهد الإنساني قائلاً: "نعيش مأساة تتجاوز الوصف، فالأطفال في غزة على حافة الفناء الإنساني".

ويورد المجدلاوي أرقامًا صادمة: 154 طفلًا تُوفوا بسبب سوء التغذية، 51 ألف طفل يعانون أمراضًا مرتبطة بالجوع، 16 حالة إجهاض يوميًا بسبب انعدام الرعاية الطبية، 450 جنينًا تُوفوا في بطون أمهاتهم، 5200 طفل جريح بحاجة إلى إجلاء طبي عاجل، و67% من المستلزمات الطبية مفقودة من المستشفيات.

ويضيف المجدلاوي أن الأطفال يعيشون "بين ركام المستشفيات وانقطاع الكهرباء"، مشددًا على أن "الصمت الدولي يقتلهم ببطء أشد من القذائف".

مصدر طبي بغزة يؤكد أن تفشي الأمراض الوبائية وصل إلى مستويات غير مسبوقة، مع تسجيل أكثر من 70 ألف إصابة بالتهاب الكبد الوبائي.
ويضيف: "نفتقر إلى الوقود والمولدات والأدوية، وحتى الماء ملوث. الاحتلال يسمح أحيانًا بدخول 9 شاحنات مساعدات فقط، بينما نحتاج إلى مئات".

ويتابع أن 41% من مرضى الكلى تُوفوا بسبب توقف أقسام الغسيل، وأن آلاف الجرحى بحاجة ماسة إلى إجلاء فوري للعلاج خارج القطاع.

المدير الإقليمي لليونيسف إدوار بيغبيدير قال في بيان له:

"أكثر من مليون طفل في غزة يعيشون أهوالًا يومية في أخطر مكان في العالم. فتح المعابر ضرورة عاجلة لإنقاذ الأرواح".

وأضاف أن وقف إطلاق النار المؤقت أتاح للأطفال "فرصة للبقاء على قيد الحياة"، لكنه شدد على أن "ما يدخل غزة من مساعدات لا يلبي 20% من الاحتياجات الحقيقية".

وأكد أن المنظمة تعمل على إعادة 650 ألف طفل إلى مقاعد الدراسة، لكن الطريق طويل وسط دمار شامل للبنية التحتية.

وهكذا، من وسط الدمار، تخرج أصوات تنادي: "بدنا نعيش"، وفي النهاية، الحرب ليست أفظع ما يقتل الأطفال في غزة، بل التجاهل، ذلك بأن جيلا كاملا يقف على حافة العدم، ينتظر أن يلتفت العالم إليه قبل أن يُمحى صوته إلى الأبد.

المصدر :  وفا- حسين نظير