الرئيسية » تقارير نسوية » نساء حول العالم »  

عام بعد الانتفاضة، النساء في بنغلاديش يواجهن تحديات جديدة
28 تشرين الأول 2025

 

 

 

بنغلادش-نساء FM- فرزانة سيثي، ناشطة طلابية بارزة من مستوطنة جيسور، ظهرت كأحد أبرز الوجوه لانتفاضة الطلاب والشعب في بنغلاديش عام 2024. اشتهرت بخطاباتها النارية وعزمها على مناصرة حقوق المرأة. أصبحت سيثي اسمًا مألوفًا أثناء احتجاجات يوليو/تموز 2024 التي أعادت تشكيل المشهد السياسي للأمة وأجبرت كبار المسؤولين الحكوميين على التنحي. هي طالبة في دفعة 2018-19 بالكلية الحكومية للعلوم الإنسانية التطبيقية، ووقفت في صدارة حركة “طلاب ضد التمييز”. بالرغم من تعرضها للمضايقات عبر الإنترنت وحملات تشويه متواصلة من جماعات مختلفة، إلا أن تحديها الراسخ جعلها رمزًا للقوة. أشاد معجبوها في أنحاء البلاد بها باعتبارها “النمرة” أو “المرأة الحديدية” لحركة المقاومة النسائية في بنغلاديش.

في هذا الحوار مع أبهيمانيو بانديوبادياي، تناقش سيثي واقع ما بعد الثورة، ودعوتها الصريحة، والترويج لانتفاضة يوليو، والمستقبل الغامض لسلامة المرأة في بلد لا يزال يكافح من أجل وعود التغيير.

أبهيمانيو بانديوبادياي: مرت للتو الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة يوليو. إلى أي مدى تحققت التطلعات الرئيسة للحركة برأيك؟

فرزانة سيثي: الانتفاضة كانت، في صميمها، موقفًا جماعيًا ضد سنوات من التمييز والحكم الاستبدادي. عندما انهار النظام أخيرًا، كانت هناك موجة حقيقية من الأمل عبر أنحاء البلاد. اعتقد الناس أن بنغلاديش بإمكانها أخيرًا التحرك نحو مستقبل خالٍ من التمييز، وأن تصبح أمة تُؤيد فيها حرية الرأي وسلامة المواطنين بدلًا من أن تُهدد من قبل الدولة.

لكن بعد مرور عام، يجب أن أقول وبخيبة أمل عميقة أننا لم نحرز أي تقدم. في الواقع، إن الوضع يزداد سوءًا؛ فالتمييز الديني والقائم على الجنس متصاعد عبر أنحاء البلاد. وقد تدهورت السلامة العامة، خاصةً بالنسبة للنساء. شخصيًا، لا أشعر بالأمان عندما أخرج؛ يوجد شعور مستمر بالخوف. بجانب ذلك، أصبحت عمليات الإعدام العلنية، والعنف الغوغائي، وسهولة توافر الأسلحة غير القانونية، والتحرش الروتيني بالنساء، أمورًا معتادة بشكل مقلق. منذ 5 أغسطس/آب، تسرب العنف إلى حياتنا اليومية واستقر داخلها.

المفجع أكثر هي الطريقة التي قد نُسِيَ بها شهداء الثورة. بُنيت الحركة على دماء إخواننا وأخواتنا الشجعان، ومع ذلك لا يزال العديد من القتلى في عداد المفقودين. لا توجد حتى الآن قائمة كاملة بأسماء الشهداء. اختبارات الحمض النووي لم تكتمل، وتستمر العائلات بالمطالبة بأبسط المعلومات، لكنهم يقابلون بالصمت. ومن بين كل إخفاقات الحكومة المؤقتة، تعتبر هذه الأكثر خزيًا، وهي رفض تكريم الموتى. مع ذلك، تقيم الدولة الاحتفالات ومراسم إحياء الذكرى، ويرسمون مشهدًا مسرحيًا، بينما يحرمون الأسر المفجوعة من التقدم الذي يحتاجونه بشدة.

أبهيمانيو: استندت شيخة حسينة [رئيسة وزراء بنغلاديش سابقًا التي أُجبرت على التنحي من منصبها أثناء انتفاضة 2024] لفترة طويلة بإرث حرب الاستقلال البنغلاديشية لإضفاء شرعية الحكم الاستبدادي لرابطة عوامي. برأيك، هل شهدت انتفاضة يوليو تجربة مماثلة من الاستيلاء أو الترويج السياسي خلال العام الماضي؟

فرزانة: لطالما آمنت أن التاريخ يعطينا دروسًا مهمةً، فقط، لو رغبنا في التعلم منها. خذ حرب الاستقلال البنغلاديشية عام 1971 على سبيل المثال، ضحى الملايين بحياتهم من أجل حرية بنغلاديش، لكن عندما استأنفت رابطة عوامي السلطة في 2009، بدأت تعامل تلك التضحية الجماعية كملكيتها السياسية. للأسف، بعد ثورة 2024، بدأنا نشهد نفس المشهد يتكرر مجددًا. بدأ دماء واستشهاد الآلاف من إخواننا وأخواتنا يُستغل لصالح مكاسب سياسية.

ظهرت أحزاب وتحالفات جديدة في يوليو/تموز، يدعي كل منهم بأنه الوريث الحقيقي للثورة. ما تبع كان نزاعات مريرة حول من هم “أصحاب المصلحة الحقيقيين”، وأثناء تلك المعركة، تعرضت روح الثورة ذاتها للخيانة. كما قال والتر بنيامين في عبارته الشهيرة: “وراء كل فاشي ثورة فاشلة.”، وهذا هو الخطر الذي نواجهه الآن. عندما يبدأ هؤلاء الذين نهضوا بعد سقوط نظام فاشي بتقليد أفكاره، ولغته، وطرقه، يصبحون أيضًا فاشيين بثياب جديدة.

أبهيمانيو: منذ 5 أغسطس/آب 2024، شهدنا محاولة لإزالة نساء يوليو من سرديات ما بعد الثورة. ما رأيك حول تلك العملية، وماذا تقولين عن صراع المساواة بين الجنسين في بنغلاديش حاليًا؟

فرزانة: كانت أكبر قوة لانتفاضة يوليو هي المشاركة العفوية والجريئة للنساء من كل زاوية في البلاد. في الأيام الأخيرة والمضطربة في يوليو/تموز، أثناء “حصار بنغالا“، عندما هاجمت قوات شرطة حسينة ورابطة تشاترا المتظاهرين الذكور بوحشية، نساء البنغال هن من كسرن الحواجز ووقفن أمامهم كالدروع. ضُربت وأصيبت العديد منهن، لكنهن رفضن الانسحاب. حافظت شجاعتهن على زخم الحركة. دون تلك النساء، أعتقد حقًا أن الانتفاضة لم تكن لتحدث.

لكن ما تلا كان لا يقل عن الخيانة. منذ 5 أغسطس/آب حتى الآن، بدأ تهميش، وإسكات، ومهاجمة تلك النساء من كل الشرائح. كانت إحدى أكبر الآمال بعد الانتفاضة هي أن تستطيع المرأة أخيرًا أخذ مكانها الصحيح في السياسة، وتشكيل السياسات والقيادة من الأمام. لكن تلك الاحتمالية أُوقفت بسرعة.

خذ تقرير لجنة إصلاح شؤون المرأة على سبيل المثال، فقد أوصت بحصة معينة للمرشحات النساء في الانتخابات القادمة. لكن عن طريق المساومات اللامتناهية والصفقات السرية، انخفض ذلك الرقم من 35 بالمئة إلى 10 بالمئة، ثم 5 بالمئة، وأخيرًا استقر عند 10 بالمئة. حتى حينها، أعلنوا علنًا أنهم لم يقدروا على زيادتها أكثر. هذا يخبرك بكل شيء. هذه هي أكبر مخاوف القوى الحاكمة، النساء ذوات الاستقلالية السياسية. تحول خوفهم لمحوٍ متعمد، ونحن نشهد هذا المحو ينكشف كل يوم.

أبهيمانيو: كيف ترين الوضع الحالي لسلامة المرأة في بنغلاديش؟

فرزانة: كارثي! تشغل النساء 51 بالمئة من إجمالي عدد السكان في بنغلاديش، لكن منذ 5 أغسطس/آب، وصل مستوى العنف ضد المرأة إلى كثافة لم أشهدها أبدًا طوال حياتي. أصبحت جرائم الاعتداءات الغوغائية، والاتهامات بالفجور، والانتهاكات الجنسية روتينية بشكل مرعب. لقد واجهت شخصيًا حملات مستمرة من التنمر الإلكتروني لأكثر من عام. عندما تفشل الحكومة بضمان سلامة نصف سكانها، فلا يوجد أدنى شك بأنها حكومة فاشلة.

صراحةً، لا أعتقد بإمكاننا وصف الحكومة المؤقتة بأنها صديقة للمرأة بأي شكل من الأشكال. منذ توليها السلطة، تعمدت تهميش المرأة واختارت تجاهل غياب الأمن الذي تواجهه يوميًا. لم تقم الحكومة بأي شيء على الإطلاق. لا إدانة، ولا نقاش، ولا محاولات لحماية رؤية لجنة إصلاح شؤون المرأة.

الأمر الأكثر إحباطًا هو صمت العديد من القيادات النسائية السياسية اللاتي اكتسبن شهرة بعد الثورة. لم ترفع واحدة منهن صوتها للاحتجاج. لكن مع ذلك، وسط هذا اليأس، توجد حقيقة لا يمكن إنكارها، ألا وهي أن نساءنا لا يزلن يقاتلن. لقد كنا هناك، والآن نحن هنا، وسنبقى هنا، وإن حان الوقت مجددًا، لن نتردد في العودة إلى الشوارع.

أبهيمانيو: هل هذه بداية جديدة لصراع المرأة في بنغلاديش؟

فرزانة: لم ينتهِ الصراع أبدًا. لقد شاركت المرأة البنغلاديشية في أرض المعارك منذ عام 1971، أعاد يوليو ببساطة اتصالنا بماضينا المتمرد الطويل. إذا استمرت الهجمات المنهجية ضد النساء كما هي حاليًا، سنعود إلى الشوارع. لكن المقاومة تصبح هشة دون تنظيم. يجب أن نعيد بناء الوحدة والحماية ضد أي وسائل تمويهية، ونتجنب الانخراط في النزاعات المصطنعة قبل أي شيء آخر.

إذا استطعنا استعادة ذلك التضامن والتعبير عن مطالبنا، يمكن أن نحقق التغيير. حتمًا ستُحدِث النساء الغاضبات التغيير في هذه الدولة.

 

حوار مع فرزانا سيثي، ناشطة طلابية بارزة من جيسور ومناصرة لحقوق المرأة
بقلم (English)Abhimanyu Bandyopadhyay
 
ترجم المقالة إلى (عربي)علياء إبراهيم