بغداد-نساء FM-في خطوة أثارت عاصفة من الجدل، ناقش البرلمان العراقي تعديل قانون الأحوال الشخصية للسماح بزواج الفتيات دون سن التاسعة، ما دفع قوى سياسية ومنظمات حقوقية لإعلان رفضها القاطع.
محتوى التعديلات.. حق الاختيار أم فرض مذهبي؟
افتتح النقاش بتوضيح التعديلات المقترحة، والتي تتيح للعراقيين الاختيار بين تطبيق قوانين الأحوال الشخصية الحالية أو أحكام المذهب السني أو الشيعي عند إبرام عقود الزواج.
وأوضح النقاش أن القانون الحالي يمنع الزواج لمن هم دون سن 18 عامًا، إلا بإذن قضائي بدءًا من عمر 15 عامًا، بينما يسمح التعديل بزواج القاصرات وفق المذهب المختار.
انقسام داخلي
والقوى الشيعية تسعى لتمرير القانون بتوافق مجتمعي، لكنها تواجه رفضا واسعا من قوى مدنية ومنظمات نسوية.
واعرب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني عن رفضه للتعديلات، مؤكدًا ضرورة احترام حقوق الأطفال وضمان استمرار تعليمهم.
تحالف 188.. رفض دولي ومحلي للتعديلات
وأكد التحالف أن التعديلات تمثل انتهاكًا صارخًا للدستور العراقي وللاتفاقيات الدولية الموقعة، خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي تمنع الزواج قبل سن 18 عامًا.
دفاع عن القانون.. مدونة اختيارية أم تقنين للواقع؟
و قال الكاتب والباحث السياسي حيدر الموسوي إن التعديلات لا تُشرعن زواج القاصرات كما يُشاع، بل تهدف إلى تقنين الواقع الحالي.
وأشار إلى أن القانون يمنح الحرية للعراقيين لاختيار المذهب الذي يناسبهم، مضيفًا أن النصوص ستحدد الحد الأدنى للزواج عند 15 عامًا فما فوق.
نظرة معارضة.. خطوة نحو دولة دينية؟
من أربيل، أكد النائب السابق في برلمان إقليم كردستان العراق عبد السلام برواري أن القانون يمثل محاولة لفرض رؤية مذهبية ودينية على المجتمع بأسره، مشيرًا إلى أنه قد يؤدي إلى تحويل العراق إلى نسخة مشابهة للنظام الديني الإيراني.
ووأوضح أن المراجعات الدينية المستخدمة كمرجع ستجعل المحاكم ملزمة بآراء رجال الدين، مما يهدد مبدأ الفصل بين الدين والدولة.
العراقيات يخشين "زواج القاصرات".. البرلمان قد يزيد الطين بلة
ما تزال شيماء سعدون تصارع ذكرى إجبارها على الزواج من رجل يبلغ من العمر 39 عاما وهي في سن الـ13.
أسرتها الفقيرة التي تعيش بالقرب من مدينة البصرة جنوبي العراق كانت تأمل أن يساعد مهرها من الذهب والمال في تحسين أحوالها.
قالت شيماء، التي طلقت من زوجها عندما كانت في الـ30 من عمرها وهي الآن في الـ44، "كان من المتوقع أن أكون زوجة وأما وأنا لم أزل طفلة. لا ينبغي إجبار أي طفلة أو مراهقة على عيش ما عشته ومررت به".
كان زواج شيماء غير قانوني، ومع ذلك وافق عليه قاض كان من أقرباء الزوج.
يحدد القانون العراقي 18 عاما كحد أدنى لسن الزواج في معظم الحالات.
بيد أن زيجات كهذه للفتيات الصغيرات ربما تتم الموافقة عليها من قبل الدولة قريبا، إذ يدرس البرلمان العراقي تعديلات قانونية مثيرة للجدل من شأنها أن تمنح السلطات الدينية مزيدا من الصلاحيات في مسائل تتعلق بقانون الأحوال الشخصية، وهي الخطوة التي حذرت جماعات حقوق الإنسان والمعارضون من أنها قد تفتح الباب أمام زواج الفتيات في سن التاسعة.
قانون من شأنه أن يسمح للدعاة ورجال الدين بالحكم في قضايا سن زواج الفتاة.
يأتي الضغط من أجل التعديلات بشكل أساسي من جانب الفصائل السياسية النافذة المدعومة من الزعماء الدينيين الذين شنوا حملات متزايدة على ما يصفونه بالغرب الذي يفرض معاييره الثقافية على العراق ذي الأغلبية المسلمة.
التعديلات القانونية المقترحة من شأنها أن تتيح للعراقيين أيضا اللجوء إلى المحاكم الدينية للبت في قضايا قانون الأحوال الشخصية، بما فيها قضية الزواج، والتي تعد حاليا من اختصاص المحاكم المدنية فقط.
قد يسمح ذلك للدعاة بالحكم وفقا لتفسيرهم الشرعي عوضا عن القوانين الوطنية.
عراقيات كثيرات تفاعلن مع هذا التعديل بفزع، فنظمن احتجاجات خارج مقر مجلس النواب، ودشن حملات مناهضة لهذه التعديلات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت هبة الدبوني، وهي ناشطة من بين عشرات الناشطات اللاتي شاركن في احتجاج في أغسطس، للأسوشيتد برس: "إن سن قانون يعيد البلاد إلى ما كانت عليه قبل 1500 عام أمر مخز.. سنستمر في رفضه حتى خر نفس. وظيفة البرلمان العراقي هي تمرير القوانين التي من شأنها رفع معايير المجتمع".
ويقول المشرعون المحافظون إن التعديلات تمنح المواطنين خيار استخدام القانون المدني أو الديني، ويجادلون بأنهم يدافعون عن الأسر في مواجهة التأثيرات العلمانية الغربية.
وإلى ذلك، قالت سارة صنبر، الباحثة المختصة بشؤون العراق في هيومن رايتس ووتش، إن التعديلات تمنح الأولوية للزوج، مضيفة "لذا، نعم، إنها تمنح الاختيار، لكنها تمنح الاختيار للرجال أولا وقبل كل شيء".