
بغداد-نساء FM- على الورق، تبدو الطريق ممهدة أمام مشاركة المرأة العراقية في الحياة السياسية، فالدستور يخصص ربع مقاعد البرلمان للنساء، وفي كل انتخابات تشريعية، ترى آلاف المرشحات يتنافسن وينافسنا في السباق الانتخابي، ضمن قوائم وكتل تتباهى ببرامج “تمكين المرأة”. لكن ما إن تُغلق مراكز التصويت، وتُفتح صناديق الاقتراع، حتى يكشف المشهد السياسي عن وجهه الحقيقي: تمثيل نسوي في تراجع، وحضور سياسي يتحرك داخل مساحة ضيقة ترسم حدودها الأحزاب التقليدية التي تملك المال، والنفوذ، وخرائط الحصول على الأصوات.
أشارت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 نوفمبر الماضي إلى فوز النساء بـ 84 مقعدا، متخطيات الحصة الدستورية بمقعد واحد. لكن عدد مقاعد النساء في البرلمان الجديد تراجع مقارنة بالدورة البرلمانية السابقة، إذ حصدت النساء آنذاك 96 مقعدا، وشكلن ما نسبته 29% من مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعدا.
وتعزو ناشطات تحدثن عن سبب تراجع عدد مقاعد النساء في البرلمان الحالي إلى ما يعتبرنه ضعفا في أداء المرأة كمرشحة، وكناخبة، خلال الانتخابات، إلى جانب سيطرة الأحزاب الكبيرة على المشهد السياسي في البلاد.
في انتخابات نوفمبر الماضي، نجحت 25 امرأة فقط في الوصول إلى البرلمان بأصواتهن الخاصة، بينما حصلت الأخريات البالغ عددهن 59 امرأة على مقاعدهن عبر نظام الكوتا. وبحسب احصائيات رسمية صادرة عن مفوضية الانتخابات، بلغ عدد المرشحات اللواتي خضن انتخابات مجلس النواب، 2247 مرشحة، بينما بلغ العدد الكلي للمرشحين والمرشحات 7743.
تقول الحقوقية العراقية، نوال فجة، التي انسحبت من الترشح، “العملية الانتخابية في العراق لعبة سياسية، اللاعب الرئيسي فيها المال، ومن بعد المال السلطة والزعامات السياسية المتحكمة بالبلد، لذلك فضلت الانسحاب من الانتخابات، لأنها لم تكن منافسة عادلة”.
ويشير التقرير النهائي للمرصد النيابي العراقي عن الدورة البرلمانية السابقة (2022- 2025) الى أن 75% فقط من العدد الكلي للنواب النساء شاركن في النشاطات خلال انعقاد جلسات العامة ضمن الدورة البرلمانية الخامسة.
واعتمد المرصد في تحديد نشاطات النواب على مشاركتهم في مناقشة مشاريع القوانين أو المقترحات خلال القراءتين الأولى والثانية، والمشاركة في مناقشة الموضوعات العامة في جلسات المجلس، وتصويت جلسات المجلس من خلال نقاط النظام.
وتلفت المحامية نيران عزيز الزهاوي، الى أن دور المرأة العراقية في العملية السياسية بشكل عام هو “تكملة عدد”، وكذلك القضايا التي من يمكن للمرأة النائبة مناقشتها محدودة، لذلك ينحصر دورها في نقاشات مواضيع مثل الأسرة والمرأة.
ترشحت الزهاوي في الانتخابات الحالية ضمن قائمة مدنية التوجه، لكنها لم تحقق الفوز، حالها حال العديد من المرشحين المدنيين والمستقلين الذين لم يتمكنوا من الحصول على عدد الأصوات التي تمكنهم من الوصول الى البرلمان.
“هناك منظومة سياسية تقدم الولاء على الكفاءة المهنية، وهذا واقع حال أثبتته التجربة الانتخابية. وفيما يخص المرأة في هذا المجال، فهم لازالوا ينظرون إليها كخيار ثان مهما امتلكت من خبرة”، توضح الزهاوي لـ”الحرة”. لكنها ترى في الوقت ذاته، أن المرأة أثبتت حضورا قويا في الانتخابات، مشيرة الى أن “الكثير من المرشحات قدمن حملات ناضجة ومهنية، لكن النتائج ما زالت تحكمها قواعد وقوانين أحزاب وليست برامج انتخابية”.
وتخلص الزهاوي الى أن العوائق التي تقف في طريق النساء في المشهد السياسي، تتمثل في البيئة الحزبية التي لم تمنح النساء المرشحات مساحة قرار حقيقية، إلى جانب الإجراءات الانتخابية المعقدة.
وتعتقد الزهاوي أن الضغط الاجتماعي والثقافي أثر سلبا على أداء المرأة كناخبة، وتقول إن الزوج أو الأخ يوجهون المرأة ويضعونها “تحت الوصاية” لهذا، “لا يكون لها رأي حر أو اتخاذ قرار من سوف تنتخب”.
وبحسب استطلاع رأي بعنوان “التوجّه الانتخابي للنساء في العراق” أعدّه مركز البيان للدراسات والتخطيط في 9 نوفمبر الماضي، واعتمد على آراء نساء من محافظات وفئات اجتماعية مختلفة، أشارت غالبية المشاركات إلى أن النائبات في الدورة البرلمانية الخامسة لم يدعمن قضايا المرأة، وأن التمثيل النسائي لم يتحول إلى أداة تغيير فعّالة داخل البرلمان لصالح النساء.
وأشار الاستطلاع الى أن 60.9% من الإجابات نصت على أن القضايا النسوية لم تعد أولوية بالنسبة للنساء البرلمانيات، ومنها قانون مناهضة العنف الأسري وقانون الأحوال الشخصية.
ووفق الاستطلاع، شددت المشاركات على أن التمثيل النسائي في البرلمان لم يتمكن من تمرير قانون مناهضة العنف الأسري، ولم ينجحن في رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية”، معتبرات ذلك ضعفا في الدور السياسي للنساء البرلمانيات، الامر الذي انعكس على رؤية النساء لممثلاتهن داخل البرلمان.
وتؤكد الاكاديمية، الناشطة الحقوقية، طاهرة داخل طاهر، على أن أداء البرلمانيات في الدورة السابقة لم يكن جيدا، خاصة المستقلات منهن لتناغمهن مع الكتل والأحزاب الكبيرة، بدلا من دعم المرأة العراقية والعمل من أجل قضايا الفرد العراقي.
“لم نجد حتى الآن كتلة نسوية أو نواب نساء شكلن ضغطا داخل البرلمان بالنسبة للقرارات السياسية”، تقول طاهر لـ”الحرة”.
وعلى الرغم من أن نتائج التعداد السكاني الذي أجراه العراق في نوفمبر 2024 بينت وجود تقارب بين أعداد الذكور والإناث في البلاد، كانت أعداد النساء اللوات شاركن في التصويت أقل من عدد الناخبين من الذكور، وفق النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات.
وهذا الاختلاف في العدد يعتبره الخبير القانوني، وائل البياتي، فجوة أساسية في مسألة دور المرأة في التأثير. ويشير إلى أن تأثير النساء في العمل السياسي، حتى مع وجود تمثيل برلماني واسع، لا يزال ضعيفا.
“يعود ضعف التأثير هذا إلى طبيعة الأحزاب السياسية في العراق، وأغلبيتها أحزاب تقليدية لا تؤمن بأن يكون هناك دور فاعل للنساء في العمل السياسي، إلى جانب صعوبة العمل السياسي في العراق التي تحول دون انخراط العديد من النساء في هذا المجال،” يوضح البياتي لـ”الحرة”.
ولا يستثني البياتي تأثير الجانب الاجتماعي المتمثل بالهيمنة الذكورية داخل المجتمع العراقي الى جانب العشائرية وتأثيراتها على انخراط النساء في النشاط السياسي.
المصدر : الحرة
