الرئيسية » تقارير نسوية » الرسالة الاخبارية »  

صوت| نساء غزة بين التهدئة والأنقاض: سلام ناقص ومأوى غائب
14 تشرين الأول 2025

 

رام الله-نساء FM- رغم إعلان وقف إطلاق النار، ما زالت قلوب نساء غزة تعيش على إيقاع الحرب. فكما تقول سحر ياغي، رئيسة مجلس إدارة جمعية الدراسات النسوية التنموية الفلسطينية، في حديثها لنساء إف إم، فإن هذه الفرحة جاءت "مغمّسة بالدموع والوجع والفقر"، إذ لم يصل صوت التهدئة إلى قلوب النساء كما وصل إلى نشرات الأخبار. بالنسبة لهن، فإن وقف الحرب لا يعني انتهاء المعاناة، بل بداية فصل جديد أكثر قسوة وتعقيدًا، حيث يُطلب منهن أن يبدأن الحياة من نقطة لا شيء.

فالكثير من النساء عدن إلى المناطق المدمرة بعد وقف القصف، ليجدن أن البيوت التي تركنها لم تعد موجودة، وأن الأحياء التي عرفنها قد تحولت إلى أطلال لا يمكن التعرف عليها. بعضهن عادت لتستكمل ما كان يفترض أن يُنجز منذ عام كامل: دفن موتاهن. فكما تذكر ياغي، هناك نساء لم يتمكنّ من وداع أزواجهن أو أبنائهن طوال شهور الحرب، إذ بقيت الجثامين تحت الركام أو محتجزة في الثلاجات، ليأتي وقف إطلاق النار بمثابة استئناف للحداد المؤجّل، لا بداية للتعافي.

المأساة الأكبر، كما تصفها ياغي، هي فقدان المأوى. فالمرأة الفلسطينية اليوم قد تعود إلى أرضها لكنها لا تجد بيتًا، لا سقفًا ولا بابًا ولا جدارًا يحميها. وإن حاولت الاستئجار، واجهت غلاءً يفوق قدرتها، فاضطرت لاستبدال خيمة النزوح بخيمة فوق ركام بيتها. لم تعد تملك مكانًا تنام فيه بأمان، ولا عملًا تستند إليه، ولا شبكة حماية اجتماعية تضمن لها الحد الأدنى من الاستقرار. ومع غياب الزوج أو الابن في كثير من الحالات، تتحول المرأة إلى المعيل الأول والوحيد، في ظل ظروف اقتصادية وصحية متدهورة.

ورغم ما تحمله الذاكرة الجمعية من صور نزوح مريرة، لم تكن النساء خلالها مجرد تابع ضعيف، بل كنّ في الخطوط الأمامية لتحمّل الأعباء الأسرية والاجتماعية. حملن الأطفال، أمَّنَّ الطعام والماء، ووفّرن ما استطعن من الأمان النفسي لأسرٍ مهزوزة بالخوف والضياع. واليوم، يُطلب منهن أن يفعلن الأمر ذاته ولكن في ظروف مختلفة؛ فبدل الهروب من الموت، عليهن الآن أن يخترعن الحياة من العدم.

وتابعت، النساء المصابات أو اللواتي يحتجن علاجًا يواجهن انهيارًا شبه كامل في النظام الصحي، فلا دواء متاحًا، ولا قدرة على الوصول إلى المستشفيات أو تحمّل تكاليف العلاج. وحتى من استطاعت تحويل خيمتها إلى بيت تمارس فيه حياتها اليومية وتعليم أطفالها عبر الإنترنت، تفعل ذلك وهي تحمل على كتفيها أكثر مما يُحتمل. فالصامدة ليست من لا تشعر بالألم، بل من تستمر رغم أنه لم يعد لديها متّسع حتى للبكاء.

تقول: "إن وقف الحرب على غزة لم يكن نهاية لمحنة النساء، بل تحوّلًا في شكلها. فبدل أن يُختزل الألم في خطر القصف، أصبح اليوم ألمًا طويل الأمد اسمه الفقد، والتشرّد، واللا يقين. وإذا لم تكن النساء في قلب خطط الإغاثة وإعادة الإعمار، فإن ما يسمى بالسلام سيبقى ناقصًا، هشًا، ومعلّقًا على خيط الصبر الأنثوي الذي طال انتظاره للإنصاف."

الاستماع الى اللقاء :