الرئيسية » تقارير نسوية » أخبار المرأة الفلسطينية » الرسالة الاخبارية »  

"سيداو".. معركة محتدمة في فلسطين ؟
16 أيلول 2020

 

رام الله-نساء FM-(خاص) يتصاعد الجدل والصراع في الأراضي الفلسطينية حول تطبيق اتفاقية "سيداو" بين مؤيد ومعارض، حتى وصل بالطرفين من المعارضين الاسلاميين والعشائر النزول الى الشوارع للاحتجاج ضد الاتفاقية، ودفع المؤيدين من الحركات النسوية والحقوقية لتنظيم وقفات اعتصامية لمطالبة الحكومة بتطبيقها.

وما زال النقاش محتدما على صفحات التواصل الاجتماعي بين المؤيدين والمعارضين للاتفاقية، وتم انشاء صفحات معارضة ومؤيده للاتفاقية، حيث تشهد نقاشات حادة بين الطرفين يستخدم خلالها بث اخبار مضللة لتشويه وشيطنة الاتفاقية، كما يقول مؤيدوها.

وبعد نحو 6 سنوات من احتفال الحركة النسوية الفلسطينية بتوقيع دولة فلسطين على اتفاقية "سيداو" دون تحفظات، ما زالت الاتفاقية معلقة والآمال النسوية بعيدة المنال بالرغم من ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة، حيث قتلت 24 إمرأة منذ بداية عام 2020 بحسب رصد مؤسسات نسوية .

"الاصوات الدينية والعشائرية الرافضة لتطبيق الاتفاقية ما زال يعلو صوتها،  وتفرض سيطرتها على الحكومة"، من وجهة نظر الحركات النسوية، وسط مخاوف من وأدها.

وكان الرئيس محمود عباس، وقع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" عام 2014، وطالب الحكومة بإعادة النظر في القوانين المراعية لتحقيق الانسجام معها، لكن لغاية اللحظة لم تجرِ هذه التعديلات سوى برفع سن الزواج الى 18 عاما والسماح للأم بفتح حسابات بنكية لأطفالها.

رفض ديني وعشائري؟

يرى البعض أن هذه المماطلة نابعة من أن جوهر الاتفاقية مخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية في بعض بنودها، كما يقول حزب التحرير الذي يتصدر المعارضة الاسلامية للاتفاقية، الذي يدعي أنها تخالف الشريعة بتحقيقها المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وبأسقاطها ولاية الرجل على المرأة، واسقاط العدة، ونسب الطفل لوالدته، وتعدد الزوجات، وتشريع زواج المثليين "..".

وكان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين قال: "إنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يتم اقراره أو الأخذ بأي قانون لا يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية المعمول بها في الأراضي الفلسطينية".

وأضاف الشيخ حسين: "قرار مجلس الإفتاء أكد على أن كل ما يتعارض ولا يتفق مع الشريعة الإسلامية مرفوض سواء في سيداو أو غيرها من الاتفاقيات التي لا تتوافق مع روح الشريعة الإسلامية".

وتابع: "موقفنا واضح، وهو أنه لا يمكن أن نوافق أو نتفق مع قانون أو اتفاقية لما يتعارض مع شريعتنا الإسلامية، وهناك قوانين الأحوال الشخصية التي تنبثق عن أحكام الشرعية الإسلامية وهي قوانين تتفق تماما مع روح الشريعة الإسلامية التي تعطي كل ذي حق حقه سواء المرأة أو الطفل وقضايا الزواج والطلاق والنفقة وكل الأمور المتعلقة بالأسرة".

وأشار إلى أن اتفاقية "سيداو" واسعة وفيها بنود تتفق مع معظم تعاليم الديانات مع حماية الانسان، غير أن القضية الأهم هي "ما يختلف عليه من قضايا" مثل قضايا الإجهاض والميراث والشذوذ الجنسي وغيرها.

وأوضح أن هذه الاتفاقية تبيح الإجهاض بكل أبوابه لمجرد ان المرأة لا تريد هذا الحمل، كما أن الاتفاقية تطالب بمساواة المرأة مع الرجل في قضايا الميراث، مشددا على أن هذا كله يتعارض مع الشريعة الإسلامية ولا يمكن الأخذ بمثل هذه الاحكام.

وسبق أن قال قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش، في تصريحات إعلامية، إن الشريعة الإسلامية فوق القانون، وفوق أي التزام سياسي، أو أي التزام بقوانين أو معاهدات دولية.

وأضاف في تصريحات صحفية "مع احترامنا لكل القوانين الدولية، ولكل المعاهدات الدولية، أي تعارض مع ما شرعه الله لن نقبله".

وكانت بعض العشائر في الخليل والقدس وغزة ، اعربت عن رفضها  للاتفاقية، حيث نظمت  وقفات احتجاجية، ودعت الحكومة لعدم الالتفات الى الاتفاقية 

 

 

جدل قانوني !

قررت المحكمة الدستورية الفلسطينية العليا عام 2018 بأن "أي تعارض للاتفاقية مع الهوية الوطنية غير ملزم بالتطبيق".

كما رفضت نقابة المحامين الفلسطينيين تطبيق ونشر اتفاقية "سيداو" بشكلها الحالي دون أي تحفظات.

وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979 اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، وصدّقَت عليها في الثالث من سبتمبر/أيلول 1981، ووقّعت عليها 189 دولة، بما في ذلك 54 دولة تنتمي إلى منظمة التعاون الإسلامي.

الحركات النسوية ما زالت تطالب..

ما زالت الحركات النسوية متمسكة بالاتفاقية وتطالب الحكومة والرئيس بتطبيقها، حيث نظمت اعتصامات ووقفات للمطالبة بإقرارها خاصة مع تفشي العنف ضد النساء في الأراضي الفلسطينية، وانعدام تكافئ فرص العمل بين الذكور والإناث.

حيث، ساقت عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ريما نزال ، في حديث مع "نساء إف إم" أهمية تطبيق الاتفاقية التي من شأنها أن تقضي على كافة أشكال التمييز بين الرجل والمرأة، وتلغي القوانين المجحفة بحق المرأة، وأن تكرس مفهوم المساواة بين الجنسين وتدعم الحقوق السياسية والاجتماعية الأساسية للمرأة الفلسطينية، بالاضافة إلى أنها تجسيد لسيادة الدولة.

واضافت المجتمع الفلسطيني بحاجة ماسة إلى تحقيق المساواة للنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حيث تشكل النساء المورد الرئيسي لتطوير المجتمع، وتشكل النساء المتعلمات نحو 55% لكن لم يأخذن حقهن.

وأوضحت أن توقيع فلسطين على الاتفاقية دون تحفظ شكل بادرة رائدة، لكنها لم تكتمل دون أن يتم ملائمة القوانين المحلية، ودون نشر هذه الاتفاقية بالجريدة الرسمية حتى تصبح نافذة وسارية.

وأشارت إلى أن الاتفاقية معلقة بدعوى وجود تبريرات غير صحيحة بأنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية وتناقض مع قيم المجتمع بالرغم أن النظام الأساسي الفلسطيني نص على المساواة بين كافة مواطنين دولة فلسطين، والنظام الأساسي منح المرأة كافة حقوقها لذلك لا نرى أن التأخير له مبرر وأنه يتعارض مع توجه دولة فلسطين ومع نظامها الأساسي.

وتابعت، أسباب الرفض هي نابعة من تأثر المجتمع الفلسطيني بالمحيط العربي الذي نما فيه الحركات الأصولية والسلفية المتطرفة، حيث شهدنا تصاعد العنف المتطرف في المنطقة العربية وفلسطين لم تكن بعيدة عن التأثر من هذا الواقع.

وأشارت إلى أن السلطة للأسف لم تعمل على مواجهة ووضع حدود لهذه الفئات التي قيدت الحريات وخونت وهددت المدافعين عن حقوق الإنسان، مشيرة الى أن سياسة الصمت عن هذه السلوكيات عززت من نمو هذا التيار بالمجتمع.

ورفضت نزال، ذرائع  الرفض والتشويه للاتفاقية، مشددة أن الاتفاقية لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية وقيم المجتمع التي بجوهرها تحث على المساواة والعدل، وبينت "أن الاتفاقية تتضمن مفاهيم سياسية واجتماعية واقتصادية وحقوقية أوسع مما يصاغ من مبررات ضيقة لرفضها.

وقالت : "إن أسباب الرفض للاتفاقية لمصالح سياسية وشخصية واقتصادية واجتماعية".

وأشارت الى "أننا نستند الى الاتفاقيات لتقوية وضعية المرأة الفلسطينية ولأننا نسعى إلى دولة ديمقراطية تسودها العدالة والمساواة".

الشارع.. وجهات نظر متباينة !

يرى خالد حميدان، ويعمل موظفا في أحد البنوك، أنه غير مطلع على تفاصيل الاتفاقية لكن يتخذ موقفا معارض لها بناء على تحذيرات سمعها من المفتي ورجال العشائر، وما قرأه على منصات التواصل الاجتماعي عن الاتفاقية.

واضاف أن الاتفاقية تقوم على خلق الفتنة وتهدد استقرار المجتمع من خلال السماح بممارسات تتعارض مع الدين وقيم المجتمع.

وأوضح أن المطلوب ليس تطبيق اتفاقيات غريبة بقدر ما هو المطلوب الأخذ بتعاليم الإسلام الصحيحة التي أنصفت المرأة. وبين أن المجتمع اليوم يحتكم إلى العادات والتقاليد بالتعامل مع  المرأة لذلك نرى العنف وحرمانها من حقوقها بالميراث.

وفي السياق، تتخذ الشابة خلود مصلح، أيضا موقفا مناهضا للاتفاقية، مرجعة ذلك الى تعارضها مع قيم وعقيدة المجتمع. حيث ترى أن الاتفاقية لن تنصفها وستحملها طاقة وجهد أكبر من قدرتها، لكن المطلوب حسب وجهة نظرها تغليظ عقوبة المعنف والمعتدي على حقوق النساء التي من شأنها ان تخلق رادع لكل من يحاول ان ينتهك حقوق النساء.

وطالبت بأن يكون هناك محاكم مختصة لقضايا النساء لتحقيق العدالة للنساء في قضايا الميراث والنفقة والحضانة .

وفي المقابل، يرى الناشط المجتمعي  أحمد ضراغام، أن المجتمع الفلسطيني تقدمي ويجب أن لا يخضع لابتزاز العشائر وحزب التحرير،  حيث أن المعارضين للاتفاقية لم يقرؤها ولم يفهموا الغاية منها، ورفضهم لمصالح شخصية وسياسية أكثر منها دينية.

وتابع، المطلوب من الحكومة انصاف النساء وحمايتهم عبر تطبيق الاتفاقية واقرار قانون حماية الأسرة من العنف، ومنح المرأة المزيد من الامتيازات لتحقيق النهضة والتنمية المجتمعية.

من جهتها، ترى الاعلامية والناشطة رانية الحمد الله، أن اللغط الحقيقي الذي نواجهه بفلسطين خصوصا من قبل بعض الاحزاب وفي بعض المناطق  تجاه "سيداو" بان الاتفاقية تخالف العرف "..".  لكن السؤال وفق وجهة نظرها  ما تعريف العرف وما مدى خدمته للمرأة وقضاياها الآن بظل تقدم دورها بالمجتمع بكل نواحيه؟ وهل العرف ضمن للمرأة حياة كريمة وضمن لها الحياة أصلا لنتمسك به؟

واضافت "سيداو هي القشة الوحيدة التي ستنصف المرأة الفلسطينية بعد مرار طويل مرت به وشواهد مخيفة لمقتل العديدات".

وتابعت، المطلوب تطبيق الاتفاقية دون الالتفات للاصوات التي تطالب باجهاض الاتفاقية وحقوق النساء، وحتى لا يتسع مسلل  القتل والتميز وتضيق الفجوة المجتمعية والاقتصادية والسياسية بين الاناث والذكور.

ما هي "سيداو"

واتفاقية سيداو (CEDAW) تُعرف بأنّها اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979، بأنّها مشروع قانون دوليّ لحقوق المرأة، تتألّف من مقدمة و30 مادة، تحدّد ما يشكّل تمييزاً ضدّ المرأة، وبعد اعتماد الجمعية العامة للاتفاقية، تمّ التوقيع على الاتفاقية في احتفال عقد في تموز/ يوليو 1980 في كوبنهاغن من جانب 64 بلداً، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعد مرور عام واحد فقط في 3 سبتمبر 1981، بعد أن صدّقت عليها 20 دولة عضواً، وكانت الولايات المتحدة من الدول الموقّعة الأصلية، وظلت إلى القرن الحادي والعشرين، ولم تصادق على المعاهدة، وعلاوة على ذلك، أدرجت الولايات المتحدة مزيداً من التحفّظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من أية معاهدة رئيسية أخرى لحقوق الإنسان.

تنصّ الاتفاقية على المساواة بين الرجل والمرأة، وحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، أو أي ميدان آخر، كما تحثّ الدول الأعضاء على اتّخاذ بعض الإجراءات، وتشمل أحكامها ما يأتي:

تتخذ جميع الدول الأطراف أو الأطراف الموقّعة على الاتفاقية جميع التدابير المناسبة لتعديل أو إلغاء القوانين والممارسات القائمة على التمييز ضد المرأة.تقوم الدول الأطراف بمنع التجارة بالمرأة واستغلالها.