الرئيسية » منوعات »  

واقع الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال...
24 تموز 2014

 دمع ودماء وجراح وآلام..... كلمات تلخص حياة الطفل الفلسطيني الذي مازال يعاني من ممارسات الإرهاب الإسرائيلي منذ أكثر من تسعة وخمسين عاما، عاش خلالها كل صور المعاناة والشقاء لكنه استطاع أن يصبح رقما صعبا في معادلة الصراع مع المشروع الصهيوني بعد أن فجر بسواعده التي لا تحمل سوى الحجارة أعظم انتفاضة شهدتها البشرية في وجه قوة محتلة خلال القرن العشرين. هذا الطفل الذي عاش وولد في الخيام، ولم يتعود على الشبع، وتذوق مرارة فقد الأحبة والأهل خلال غارات المحتل المتواصلة وشاهد منزله الصغير تهدمه جرافة الاحتلال، وحرمه منع التجوال من الوصول إلى مدرسته وسلبته رصاصات الجنود أعز أصدقائه، هذا الطفل مازال يملك الكثير من طفولته رغم كل هذا الحزن والألم، مازال يحلم بأن يعيش طفولته كسائر أطفال العالم.

انتهجت إسرائيل سياسة استهداف الطفل الفلسطيني من خلال القتل والجرح والاعتقال كجزء من الشعب الفلسطيني المقموع إلى جانب العديد من الممارسات التي تصاعدت منذ انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة في 28/9/2000 اليوم الذي اقتحم فيه أريئيل شارون، المسجد الأقصى المبارك.

ولم تكن هذه هي البداية فقد كانت "إسرائيل" تقتل وتعذب الأطفال الفلسطينيين وتقدمهم للمحاكم العسكرية وتزج بهم في غياهب السجون الإسرائيلية لسنوات طوال بحجة حماية أمنها وتفصيل استراتيجيات الردع لديها لكبح التطلعات الفلسطينية في العودة والتحرير وهذا مخالف للمادة (37-أ ) من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 1989 والتي جاء فيها:- "تكفل الدول الأطراف ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشر سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم".

وفي تقرير جمعية القانون  التي تعنى بحقوق الإنسان الفلسطيني والذي حمل عنوان "قصص أخرى من مسلسل الموت" وتحت باب إسرائيل تزرع الحقد وتحصد أرواح الأطفال دون رحمة جاء:

- "في اليوم العاشر لانتفاضة الأقصى والتي اشتعلت جراء الإحباط والضغط الذي يعيشه الشعب الفلسطيني نتيجة تنكر إسرائيل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والاستخدام المفرط للقوة الذي انتهجته إسرائيل وبشكل منهجي ومنظم، وليس نتاجاً لردود أفعال لتعرض الجنود الإسرائيليين للخطر، سقط 21 شهيداً من أطفال فلسطين الأبرياء وحرمتهم رصاصات القتل الإسرائيلية من حياتهم دون ذنب ارتكبوه سوى أنهم نادوا بالأقصى وبفلسطين!!."

الأطفال نصف المجتمع

يعرّف الطفل حسب المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز سن الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه. ويتميز المجتمع الفلسطيني عن غيره من المجتمعات الأخرى في كونه مجتمعا يافعاً، حيث يمثل الأطفال فيه حوالي نصف المجتمع، وهذا ما أظهرته بيانات المسح الديموغرافي الذي أجرته دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية عام 1995، حيث بينت النتائج أن نسبة الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة بلغت 46.5%، وهناك تفاوت ملحوظ في هذه النسبة, حيث بلغت نسبتهم في الضفة الغربية 44.6%، بينما بلغت في قطاع غزة 53.3%، ويعود هذا الفرق بالدرجة الأولى إلى ارتفاع معدلات المواليد في قطاع غزة عنها في الضفة الغربية، وقد يكون لاختلاف البيئة الاجتماعية والجغرافية أثر في ارتفاع نسبة معدلات المواليد في القطاع.

وفي دراسة حديثة أعدها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قدرت نسبة الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة في منتصف عام 2000 بـ 53% من بينهم 49.1% إناث و 50.9% ذكور أوضحت الدراسة أن هذه النسبة سوف تتناقص لتصل إلى 50.4% عام 2010، وتشير التقديرات الفلسطينية للخصوبة واتجاهاتها إلى أن المجتمع الفلسطيني سيبقي يافعاً خلال العقود الثلاث القادمة, ومما لا شك فيه أن الديموغرافيا الفلسطينية بمكوناتها تحتم على المخطط وصانع القرار التنموي توجيه الاهتمام والعناية الخاصة للطفولة الفلسطينية لما تمثله من ثقل في المجتمع.

أما على مستوى قطاع غزة فقد بلغت النسبة 56.8 %، منهم 50.8 % ذكور، و 49.2 % إناث، وسوف تتناقص هذه النسبة لتصل إلى 53.8 % عام 2000، بينما قدرت النسبة في الضفة الغربية بـ 51.3 %، منهم 51 % ذكور، و 49 % إناث، وسوف تتناقص لتصل إلى 48.3 % عام 2000, وتشير التقديرات أيضا إلى أن هذه النسبة سوف تتناقص لتصل عام 2025 إلى 43.1 %.

أطفال تحت خط الفقر

وضع المحتلون الإسرائيليون مخططاتهم لتحقيق أهدافهم التوسعية العدوانية على الشعب الفلسطيني منذ وقوع الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال, ومما لا شك فيه أن المحتلين استهدفوا الأرض والإنسان الفلسطينيين معاً، ومن مخططاتهم لاستهداف الإنسان الفلسطيني هو نشر الجهل بين الفلسطينيين وسلخهم عن انتمائهم وثقافتهم العريقة، وغرس القيم الصهيونية في نفوسهم وتحويلهم "سقائين وحطابين" في سوق العمل الإسرائيلي، ولتحقيق هذه الغاية فإن النظام التعليمي في المدارس الرسمية في القسم الشرقي من مدينة القدس المحتلة حريص جداً على تحقيق هذه المخططات مما يساعد على تسريب نسبة لا بأس بها من الأطفال قبل أن ينهوا المرحلة الإلزامية من التعليم دون وجود جهة رسمية لمعالجة هذه المشكلة.

فهم يعرفون أن الأطفال الذين يتسربون من المدارس يلتحقون بسوق العمل الإسرائيلي ويتعرضون للاضطهاد من جوانب شتى. ومن أهم الأسباب لتسرب الأطفال من المدارس هو النظام التعليمي نفسه الذي يفتقد إلى الحوافز التي تربط الطفل بمدرسته، كما أن الفقر مرتبط بقرب سوق العمل الإسرائيلي الذي يمكن الطفل من الخروج إلى العمل والرجوع إلى بيته في نفس اليوم يساعد في تسرب الأطفال من المدارس، كما أن قضية البطالة بين آلاف الخريجين وعدم استطاعتهم العمل في مجال تخصصهم ما يضطرهم أيضاً إلى دخول سوق العمل الأسود في إسرائيل بحثاً عن رغيف الخبز المر، قد دفع بعض أولياء الأمور خصوصاُ من ذوي التحصيل العلمي المتدني إلى عدم الاهتمام بتعليم أبنائهم، أو إخراجهم من المدارس لعدم وجود مستقبل معيشي للمتعلمين، وهناك نقطة مهمة وهي عدم قدرة المدارس الرسمية والخاصة على استيعاب طلبة المرحلة الثانوية أو محاولتهم انتقاء الطلبة المتفوقين بدفع الطلبة المتوسطين في التحصيل العلمي أومن هم دون الوسط إلى ترك المدرسة، خصوصاً وأن الداخلية الإسرائيلية تطلب الشهادات المدرسية لمن يريد الحصول على الهوية في سن السادسة عشرة كما ينصّ القانون وهذا يحول دون التحاق الطلبة بالمدارس الفلسطينية الواقعة خارج حدود البلدية لأنهم يواجهون مشاكل كثيرة في إثبات ما يسمى "مركز الحياة" داخل حدود البلدية.

ويتعرض الأطفال الفلسطينيون في سوق العمل الإسرائيلي إلى استغلال متعدد  الجوانب، فهم لا يحصلون على أجور تتناسب والمجهود الذي يبذلونه كما أنهم يقومون بأعمال فوق قدراتهم الجسدية مما يعيق نموهم الجسدي، ويؤدي التحاقهم في العمل في سن مبكرة إلى انحراف بعضهم، وانجراره وراء المخدرات وغيرها، غير أن الأهم من كل ذلك أن انخراط الأطفال في سوق العمل يشكل قتلاً لطفولتهم البريئة وهو مخالف لأبسط حقوقهم الطبيعية التي أقرتها الشرائع كما هو مخالف لاتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين ثاني 1989.  حيث أشارت التقديرات إلى أن 23.3 % من السكان الفلسطينيين عاشوا تحت خط الفقر في العام  1998، منهم 4.4 % من الأطفال.

كما تبين من النتائج الأولية لمسح أثر الإجراءات الإسرائيلية على الأوضاع الاقتصادية للأسرة الفلسطينية منذ بداية انتفاضة  الأقصى والذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني  على عينه مكونة من 2.394 أسرة أن 10.7% من الأسر الفلسطينية فقدت مصدر دخلها بشكل كامل بواقع 10.3% في الضفة الغربية و 11.5% في قطاع غزة، كما أظهرت النتائج أن 49،2 % من الأسر فقدت أكثر من نصف دخلها الشهري الذي كانت تحصل عليه قبيل الانتفاضة.

وللتكيف مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، فإن 81 % من الأسر قد خفضت مصاريفها و 35.9 % من الأسر قامت بالاستدانة، كما أظهرت النتائج أن 30.8 % قد أكدت حاجتها للمساعدة ولم تتلقاها 37.6 % في الضفة الغربية و 18.9 % في قطاع غزة، كما أظهرت النتائج أن 48،1 % من الأسر المشمولة في العينة قد تلقت مساعدات اجتماعية. أما فيما يتعلق بنوع المساعدات المضافة فقد احتلت المواد الغذائية النسبة العظمى من هذه المساعدات 78.7 % تليها المبالغ النقدية 20.5 % وما تبقى منها 0.8 % فقد كانت على شكل تأمين صحي وملابس وأدوية.

أكثر الفئات تأثراً بالاحتلال

لقد تعرض الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة إلى أبشع صور القمع والإبادة والتدمير على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي وخصوصاً الحرب التي لا تزال قائمة والتي طالت البشر والحجر.

فقد ارتكبت قوات الاحتلال العديد من المجازر الوحشية والبشعة ضد الأطفال حيث قتلت والدة وأطفالها الأربعة في مدينة رام الله وأخرى وأطفالها الخمسة في غزة. وقد رافقت هذه المجازر ممارسات أخرى ارتكبت بحق الأطفال والنساء والشيوخ تتمثل في القصف المكثف للتجمعات السكنية بواسطة الطائرات والدبابات والصواريخ والاغتيالات، وإغلاق المناطق وإعادة احتلال المدن والقرى الفلسطينية والتنكيل بالمواطنين وهدم المنازل، والقتل والتدمير لكل ما يقع تحت أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي... الخ... فأسفرت هذه المجازر عن استشهاد وجرح عشرات الآلاف 30% منهم دون سن الثامنة عشرة وإصابة الآلاف من الأطفال غالبيتها في الجزء العلوي من الجسم، وخلفت العديد من الإعاقات الدائمة. فهذه الأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بشكل عام والطفل الفلسطيني بشكل خاص خلّفت العديد من الآثار التي شملت مجتمعنا الفلسطيني من جميع مناحي حياته ومن أهمها النواحي الصحية والنفسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع الإشارة إلى أن هذه الآثار لا يمكن فصلها جدلياً مما يجعلنا نرى مدى تأثير الممارسات الإسرائيلية على هؤلاء الأطفال حيث أنهم أكثر فئة تأثرت بالانتفاضة ومتغيراتها. خاصة وأن المجتمع الفلسطيني مجتمع فتي ويشكل نسبة الأطفال فيه نسبة تزيد على 50% من عدد المواطنين الفلسطينيين عامة.

ولا يزال الطفل الفلسطيني يعيش ومنذ اندلاع الانتفاضة حالة قديمة جديدة من العنف الإسرائيلي، والذي تمثل في استخدام جميع الأسلحة والوسائل العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال. وضراوة هذا الواقع جعلت الأطفال أكثر الفئات تأثراً من الناحية النفسية. وذلك بسبب عدم تطورهم النفسي والإدراكي والاجتماعي، إضافة إلى تعرضهم المباشر للعنف الإسرائيلي المفرط، ودرجة ظهور الآثار النفسية الناتجة عن الأزمات تختلف من طفل إلى آخر حسب خبرة الطفل وشدة تأثره بالحدث وكيفية تعامل المحيطين به- معه بخصوص الحدث.

وعانى الأطفال الفلسطينيون بشكل مستمر من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وحسب مختصين في الصحة النفسية فإن 90% من الأطفال كانت لهم تجربة في حوادث سببت لهم صدمة في حياتهم. وفي الأغلب كان ناتجاً عن التأثير الذي سببته قوات الاحتلال الإسرائيلي على البناء الاجتماعي للعائلة.

وانعكس العنف المفرط الذي تستخدمه قوات الاحتلال ضد المدنيين على الأطفال الفلسطينيين بدرجة أساسية، وترك آثاراً كبيرة على الجوانب النفسية للطفل، ومن الاضطرابات النفسية والسلوكية التي ظهرت على الأطفال بسبب ممارسة العنف ضدهم بشكل مباشر وغير مباشر، التشتت وعدم التركيز وضعف الذاكرة والنسيان، الحزن والاكتئاب، والحركة الزائدة والعنف تجاه الآخرين. وملازمة الكبار لعدم الشعور بالأمان، الأرق أو النوم الزائد، والاستيقاظ من النوم بسبب مشاهدة الكوابيس كما أدت الانتفاضة وما رافقها من العنف الإسرائيلي إلى التأثير حتى على نوعية الألعاب المعتادة، وحتى رسوماتهم أصبحت تسيطر عليها صور العنف الإسرائيلي بكافة أشكاله.

العنف الذي يتعرض له الأطفال

تعرض الأطفال الفلسطينيون خلال الانتفاضة إلى عدد من المواقف الصعبة المتعلقة بالانتفاضة، وقد كان هذا التعرض شخصياً ومباشراً، وأحياناً أخرى يأخذ طابع غير مباشر وذلك من خلال تعرض الآخرين المحيطين بالطفل للمواقف الصعبة.

ويتوقف تأثير الصدمة أو المواقف العنيفة بالنسبة للطفل على نوع الصدمة ومعناها بالنسبة له، فمثلاً يمثل الوالدان بالنسبة للطفل الأمان والأمن والمحبة، ويشعر الطفل بذلك في ظل وجودهما، ولكن تعرض الأب للضرب على أيدي الجيش حين اقتحام المنزل ليلاً يفقد الطفل الأمن ويزرع المخاوف والتوتر داخله، إذ أن صورة الأمن المتمثلة في ذات الطفل والمستمدة من صورة الأب قد اهتزت بسبب تعرض الأب لموقف صادم وعنيف أمام الطفل، وتزداد الأمور سوءاً إذا تعرض الأب للسجن حيث تظل الحاجة للأمان من الحاجات غير المشبعة وغير الموجودة طالما أن مصدر العطاء لها لا زال بعيداً عن الطفل.

وفيما يلي نستعرض بعض المواقف التي مرت على الأطفال خلال الفترة الماضية وتأثيراتها على الأطفال، وذلك حسب ما أشار إليها الدكتور فضل ابو هين في دراسة له بعنوان دليل الآباء والمدرسين للتعامل مع الطفل في الظروف الصعبة الصادر عن وزارة التربية والتعليم – مفوضية التوجيه الوطني في أيار – 1995.

1 – منع التجول: إن الحرية والحركة والتعبير عن الانفعالات من الأمور المميزة لشخصية الطفل والتي يشعر الطفل بالحرمان منها في ظل منع التجول فهو من الإجراءات التي تعتبر عقاباً جماعياً، والذي أتبعته السلطات العسكرية منذ بداية الانتفاضة، ولا تكاد منطقة في الأراضي المحتلة لم تتعرض لمنع التجول وتختلف عدد الأيام التي تخضع لها منطقة عن أخرى بسبب طبيعة الأحداث التي تدور فيها، وعلى الرغم من أن منع التجول يعتبر عقاباً جماعياً إلا أنه يعتبر تقييداً لحرية الأطفال من الحركة واللعب والتعبير، وتزداد تأثيراته السلبية على الأطفال وخصوصاً أطفال المخيمات الذين يعيشون في مساكن ضيقة لا تتسع لألعاب الأطفال، من هنا يكون الشارع هو المكان البديل والواسع والذي يستطيع الطفل اللعب فيه، وأن منع التجول يحرم الطفل من ذلك، بالإضافة إلى المواقف العنيفة التي قد تحدث ويتعرض لها السكان مثل اقتحام المنازل – الضرب – الإهانات –الاحتجاز – الخ… فقد تبين مدى النتائج السلبية لمنع التجول على الأطفال ومدى ظهور بعض المشاكل السلوكية والانفعالية لديهم بسبب تعرضهم لنظام منع التجول الطويل، حيث زادت مشاكل الحركة والعنف بين الأخوة، وعدم الطاعة، والخوف من المواقف الجديدة والخوف من الجيش وتبين أن نسبة كبيرة من الأطفال ظهرت لديهم أعراض عصابية (نفسية) تحتاج إلى تدخل ومساعدة.

2 – الإغلاق الأمني:  وقد استخدم على نطاق واسع منذ بداية الانتفاضة، حيث يمنع دخول فلسطين المحتلة عام 1948 ويتحتم على السكان البقاء داخل المناطق المحتلة مع عدم السماح لهم بالمغادرة، وأحياناً يستخدم بصورة جزئية ومؤقتة بسبب وجود بعض الأحداث المتعلقة بمنطقة جغرافية معينة وفرضت السلطات العسكرية طوقاً أمنياً شاملاً على الأراضي المحتلة وعلى إثر ذلك منع سكان المناطق المحتلة جراء هذا الإغلاق من العمل أو دخول إسرائيل، فقد تبين مدى خطورة تأثير الإغلاق الأمني على الصحة النفسية للأطفال والراشدين وأن 49,3% من أطفال العاطلين عن العمل يشعرون بالـ"نرفزة" والعصبية في مقابل 38,9% من أطفال العمال وحوالي 22,7% من أطفال الموظفين، وأن 11,1% من أطفال الآباء العاطلين عن العمل يعانون من ظاهرة مص الأصابع في حين ظهرت هذه المشكلة لدى 8% من أطفال العمال ولم تظهر هذه المشكلة لدى أطفال الموظفين.

وتبين أيضاً أن أطفال العاطلين أكثر تضرراً من أطفال العاملين والموظفين وأنهم بحاجة إلى تدخل إرشادي ومساندة بصورة أكبر بسبب العجز عن إشباع حاجات الأطفال وبسبب الضغوطات النفسية التي خلقتها ظاهرة الإغلاق الأمني على الوالدين وبالتالي حالة التوتر الناتجة عنها ومن ثم لجوء الآباء إلى إفراغ حالة التوفر في سوء معاملة الأطفال واللجوء إلى العنف.

3 – المداهمات الليلية:  وهي من إجراءات العقاب الجماعي التي اتبعتها السلطات العسكرية ضد السكان، حيث تتعرض منازل الفلسطينيين للمداهمة خلال الليل بهدف الإزعاج أو الضرب والعقاب للسكان، وقد درجت السلطات على استخدام هذا الأسلوب وما يواكبه من عنف سواء ضد الشخص المطلوب وذلك أمام أبنائه أو أفراد أسرته، أو تعرض أفراد الأسرة نفسها للعنف، أو مشاهدة مظاهر العنف بصورة أخرى كأن يعيث الجنود إتلافاً وإفساداً لمقتنيات البيت وذلك أمام أعين الأطفال، إضافة للأسلوب الذي يتبع لأداء مهمة المداهمة من محاصرة المنزل والقفز عن سور البيت أو الطرق الشديد والمرعب على الأبواب والانتشار الكثيف والعنيف في المنزل، فقد تبين أن 85% من منازل الأطفال قد تعرضت للمداهمات الليلية، وأن 40% من الأطفال تعرضوا شخصياً للعنف خلال هذه المداهمات.

4 – التعرض لاستنشاق الغاز:  وترتبط هذه الظاهرة بالانتفاضة وبفعالياتها، حيث استخدمت السلطات العسكرية هذا الإجراء على نطاق واسع وهو استخدام الغازات المسيلة للدموع ضد التجمعات السكانية لتفريق هذه التجمعات أو التصدي للمظاهر العنيفة التي كانت تحدث خلال الانتفاضة، فقد تبين أن 92,5% من الأطفال قد تعرضوا لاستنشاق الغاز داخل منازلهم، وأن هناك بعض الحالات التي تسببت في حدوث موت للأطفال بسبب الغاز كما أوردت ذلك إحصائيات المؤسسة السويدية لإنقاذ الطفل، أو تعرض بعض النساء للإجهاض بسبب قذف الغاز داخل الغرف المغلقة في منازلهم.

5 – التعرض للضرب الشخصي:  وهو من الأساليب المستخدمة ضد السكان سواءٌ كانوا أطفالاً أم راشدين، وذلك لقمع أي بادرة للتمرد والعنف ضد الجيش الإسرائيلي، ولزرع المخاوف في حياة الأطفال، فقد تبين أن حوالي 45 % من الأطفال تعرضوا للضرب الشخصي من قبل جيش الاحتلال والذي أدى إلى تكسير عظام 4,5 % من أطفال العينة وأن 45 % من أطفال عينة دراسة (الدكتور أبو هين) قد تعرضوا للضرب على أيدي الجيش، نتج لدى 5% منهم إلى تكسير العظام.

6 – مشاهدة الضرب:  تبين وفقاً لدراسة أجريت عام 1992 حول العنف والأطفال الفلسطينيين في غزة أن مشاهدة العنف للآخرين أشد تأثيراً على حياة الطفل النفسية من التعرض الشخصي للعنف، فقد تبين أن 55% من الأطفال الفلسطينيين قد شاهدوا العنف لأحد أفراد أسرهم، وبدراسة التأثيرات النفسية الناتجة عن التعرض الشخصي للعنف تبين أن مستوى القلق انخفض لدى الأطفال الذين تعرضوا شخصياً للعنف مقارنة بالأطفال الذين شاهدوا أحد أفراد أسرهم يتعرض أمامهم للعنف، وتبين كذلك أن تقدير الذات أرتفع أيضاً لدى الأطفال الذين تعرضوا للعنف الشخصي أكثر من الأطفال الذين شاهدوا أحد أفراد الأسرة يتعرض أمامهم للعنف.  وتبين أن تقدير الذات كان مرتفعاً لدى 45% من الأطفال الذين تعرضوا شخصياً للعنف في مقابل ارتفاع تقدير الذات لدى 16% من الأطفال الذين شاهدوا أ؛ أفراد الأسرة يتعرض أمامهم للعنف، فمشاهدة العنف أكثر وقعاً وتدميراً للحياة النفسية من التعرض الشخصي للعنف وسواء تعرض الطفل للعنف أو شاهده، فإن لذلك تأثيرات سيئة على بنائه النفسي.

7 – التعرض الشخصي للإصابة:  حيث استخدم فيها أنواع مختلفة من الوسائل والتي كانت السلطات العسكرية تلجأ إليها ضد المواطنين والأطفال منها التعرض للإصابة الناتج عن الضرب، أو إطلاق الرصاص بأنواعه المختلفة – الحي – المطاطي – البلاستيكي – المعدني... الخ، فتبين بأن 3,5% من الأطفال تعرضوا للإصابة من جراء الرصاص الحي، وأن 2,2% تعرضوا للإصابة من الرصاص البلاستيكي، وأن 24,7% تعرضوا للإصابة بالرصاص المطاطي.

وقد نتج عن بعض الإصابات الموت في بعض الحالات ولدى حالات أخرى إلى الإعاقات الجسدية والعصبية والعقلية الدائمة أحياناً والجزئية أحياناً أخرى مثل اقتلاع العين أو الساق، اليد أو حرق الجلد….الخ , ووفقاً لمركز غزة للحق والقانون بلغ عدد المصابين من الأطفال تحت سن 16 سنة خلال شهر يونيو 1993 بحوالي 271 طفل بإصابات مختلفة.

8 – الاحتجاز:  تبين أن 19% من الأطفال تعرضوا للاحتجاز الشخصي، والذي يتراوح بين ساعات إلى أيام حيث يتم إلقاء القبض على الطفل وإيداعه في إحدى مراكز الاعتقال أو مخيمات الجيش حيث يتعرض الطفل فيها للضرب والإصابة، وأحياناً يمنع الطفل من الخروج وعدم تركه إلا بعد دفع غرامة مالية تفرضها السلطات المحتلة على عائلة الطفل.

9 – السجن:  ليس من السهل تحديد سن قانوني معين تلتزم فيه سلطات الجيش الإسرائيلي بمعاقبة الطفل حين ارتكابه حدثاً معيناً، فقد تعرض الأطفال خلال الانتفاضة للسجن والانفصال عن أسرهم إلى مدة تتراوح بين 18 يوماً إلى ثلاثة أو ستة أشهر مع دفع غرامات مالية خصوصاً لصغيري السن، وذاك بتهمة إلقاء الحجارة والمساعدة في فعاليات الانتفاضة، ففي دراسة أجريت عام 1992 حول العنف والأطفال الفلسطينيين (أبو هين، السراج) وذلك على عينة من الأطفال يبلغ عددها 2779 طفل ويتراوح سن أطفال العينة من 7 – 15 سنة موزعة بين ذكور وإناث ومن المخيم – المدينة – القرية حسب التوزيعات السكانية في الأماكن الجغرافية المختلفة.

فقد تعرض 2,6% من الأطفال للسجن، وقد تركز السجن بصورة أكبر لدى الأطفال الأكبر سناً من (13 – 15) سنة، وتعرض كذلك 9,8% من الآباء إلى السجن، وكذلك تعرض 30,5% من الاخوة للسجن، وقد تبين أن 40% من الأطفال تعرضوا شخصياً للعنف خلال مداهمة المنزل واعتقال أحد أفراد الأسرة.

10 – هدم المنازل:  لقد اتبعت هذه السياسة وهي تهديم المنازل ضد الفلسطينيين النشطاء منذ بداية الاحتلال، وهو من أحد- إجراءات العقاب الجماعي، وقد زاد استخدامه بصورة أكبر خلال الانتفاضة الأخيرة (انتفاضة الأقصى)، حيث يهدم منزل أي شخص توجه إليه تهمة أمنية وخصوصاً العمل المسلح، وتشير إحصائيات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن حوالي 400 منزل هدمت خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 لأسباب أمنية، وقد أخذت هذه الظاهرة منحىً خطيراً خصوصاً بعد قرار السلطات المحتلة بإبعاد 415 فلسطينياً إلى لبنان وتزايد أعمال المقاومة ضد الاحتلال.

وقد ارتفع عدد المنازل المهدمة في انتفاضة الأقصى إلى أكثر من 800 منزل في الضفة والقطاع... فقد انتشرت ظاهرة قصف المنازل بالصواريخ وأن مجرد الشك حول منزل معين يعطي الشرعية للسلطات المحتلة بقصف هذا المنزل بالصواريخ، مع إعطاء ساكنيه فترة زمنية بسيطة للخروج من المنزل دون إخراج أي شيء وقد بلغ عدد المنازل التي قصفت بالصواريخ منذ بداية يناير 1993 وحتى بداية يناير 1994 بحوالي 200 منزل، وازداد هذا العدد في انتفاضة الأقصى إلى الضعف وذلك خلال العام الأول للانتفاضة وقد تبين مدى التأثيرات السلبية لهدم المنازل على الصحة النفسية خصوصاً على الأطفال، تبين ارتفاع معدل الاضطرابات العصابية والوجدانية لدى  الأطفال  الذين تعرضت منازلهم للقصف مقارنة بالأطفال الذين لم تتعرض منازلهم للقصف، وفي دراسة (أبو هين 1992) تبين أن أكثر المواقف المؤثرة على الطفل بعد فقدانه أحد أفراد أسرته، هو فقدانه لمنزله، إذ أن المنزل مرتبط في حياة الطفل بالأمن وهو يعني مجموعة العادات والتقاليد وشبكة العلاقات التي تكونت لدى الطفل والتي ترتبط بالمنزل، وأن فقدانه يعني فقدان ما يمثله المنزل لدى الطفل.

11 – الإبعاد: وهو من إجراءات العقاب الجماعي ضد سكان البلد الأصليين، حيث يتم طرد المواطنين إلى بلاد أخرى بالقوة، فقد تعرض 70 فلسطينياً منذ بداية الانتفاضة الأولى في ديسمبر 1987 وحتى أواخر ديسمبر 1992 إلى الأبعاد عن أرض الوطن، وفي ديسمبر 1992 أقدمت السلطات العسكرية الإسرائيلية على أبعاد 415 فلسطينياً إلى جنوب لبنان (مرج الزهور).  فقد تبين أن 44% من أطفال المبعدين بين سني 2 – 5 سنوات يعانون من مشاكل انفعالية وأن حوالي 24,1% من أطفال المبعدين من سن 6 – 12 سنة يعانون من مشاكل انفعالية مثل الخوف والعصبية. وتبين كذلك أن 47% من أطفال الدراسة من سن 13 – 17 سنة يعانون من مشاكل انفعالية وعصابية مثل مشاكل النوم والفزع والخوف من الظلام ومن الوحدة.

إن موت أحد الوالدين بالنسبة للطفل أو إبعاده عن أرض الوطن يؤدي إلى حالة من الحرمان لدى الطفل وبالتالي شعور الطفل بفقدان الأمن والقلق الناتج عن انفصاله وفقدانه لأحد والديه.

12- الحرمان من التعليم:  فبسبب إدعاء السلطات الإسرائيلية بمشاركة الأطفال  في مقاومة الاحتلال واستغلال التجمعات المدرسية لهذا الغرض، ولحرمان  الأطفال  من التعليم وتجهيل الأطفال، فقد أقدمت سلطات الاحتلال على الإغلاق الجزئي للمؤسسات التعليمية وبعد ذلك الإغلاق الكلي والتام وحرمان الأطفال من فرص التعلم واكتساب المعرفة، وبالتالي تدني مستوى الطلاب وأصبح مستوى الطفل ذو العشر سنوات خلال الانتفاضة يساوي مستوى طفل ستة سنوات قبل الانتفاضة، وأصبح الشارع ومواجهة الجيش والمخاطر التي تواجه الطفل في الشارع هي السلوك اليومي ومجال الاكتساب والتعلم للطفل، فتعلم الكثير من الأطفال عادات وسلوك المقاومة والعادات السلوكية السيئة. وسنتطرق في دراستنا هذه للآثار النفسية التي يسببها كل موقف من مواقف العنف والإرهاب هذه على الأطفال الفلسطينيين.

وهكذا إذاً تبدو معاناة الطفل الفلسطيني مضاعفة, فمن ناحية الواقع الذي تعيشه الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام الفلسطينية وما ينتاب هذه المؤسسات من ظروف صعبة وتقاليد لا تستند إلى ثقافتنا العربية الإسلامية, ومن جهة ثانية ما يتعرض له هؤلاء الأطفال من إرهاب يمارسه الاحتلال الصهيوني بأبشع صوره. فيحرم الطفل الفلسطيني من أبسط الحقوق في حقه بالتعبير عن رأيه إلى حقه في الحياة والحرية والحماية والتعليم وغيرها من الحقوق التي دعت إليها مختلف القوانين والشرائع الدينية والوضعية.