الرئيسية » نساء ومجتمع »  

دور المرأة في الحفاظ على الهوية الفلسطينية بين التقليد والوطنية...
24 تموز 2014

 


لعبت العديد من العوامل والأسباب الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، دوراً مهماً في علو أو تدني دور المرأة في المجتمع الفلسطيني عبر التاريخ الفلسطيني المعاصر. ومما لا شك فيه أن هذه العوامل مجتمعة تركت بصماتها على أداء ودور المرأة في الساحات السياسية والنضالية عبر هذا التاريخ الطويل. وعند النظر إلى مفاعيل المجتمع الفلسطيني، نجد أن واقع المرأة الفلسطينية اختلف عن واقع المرأة العربية بشكل جوهري، وهذا يتضح عند مراجعة السياق التاريخي الذي أنتج واقع كل منهما. وبالنظر إلى ذلك، نجد أن المرأة الفلسطينية قابعة ضمن ثلاثة دوائر من التحدي، تتمثل في التحدي القومي المتمثل بوقوع المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتحدي الطبقي المبني على الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتحدي التمييز في النوع الاجتماعي الممارس ضدها ضمن مجتمع تتنازعه الثقافةالتقليدية والفهم الرجعي في كثير من الأحيان

.لقد أدى هذا الواقع إلى اختلاف في الأدوار لدى كلٌ منهن؛ فقامت المرأة بالخروج عن النمطية المتمثلة في دور الرعاية والإنجاب والأعمال المنزلية، إلى الانخراط في شؤون الحياة الأخرى كالسياسة، والاقتصاد، والثقافة، وباقي الشؤون الاجتماعية، ولم يكن هذا التغير بمثابة تمرد على المجتمع، بل كان إسهاما نضالياً لمواجهة الاحتلال الصهيوني وسياسته القمعية، الأمر الذي عزز من دور المرأة في المجتمع، وساهم في رفع الوعي حول الدور الذي تقوم به المرأة في تعزيز وحماية الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. وكان ذلك جلياً في مراحل الصراع الطويلة مع الاحتلال، وخصوصاً الدور الريادي الذي قامت به المرأة خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى. لقد اعتبرت المرأة الفلسطينية بان ممارسات الاحتلال القهرية تشكل تحدياً لهويتها وانتمائها لقضايا وطنها وشعبها، فأصبحت الفتاة، والأم، والمناضلة، والمعتقلة، والمربية، وأدركت أهمية تعاضد وتكامل دورها مع دور الرجل في الحفاظ على الموروث الثقافي والهوية الوطنية الفلسطينية. بناء على ذلك، يتطرق هذا المقال لمقتطفات من دور المرأة في الانتفاضة الأولى، إضافة إلى التركيز على الدور الذي لعبته المرأة الفلسطينية في الحفاظ على الهوية الفلسطينية.

دور المرأة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى:

يمكن تعريف الانتفاضة الفلسطينية الأولى على أنها عمل جماهيري مقاوم شاركت فيه كافة القطاعات الشعبية وتحول بفعل عدة عوامل داخلية وخارجية إلى نمط حياة يومي كان أساسه رفض واقع الاحتلال والعمل على تأسيس واقع اجتماعي-سياسي بديل. وبذلك شكلت الانتفاضة الشعبية الأولى منعطفاً هاماً في نوعية ومضمون مشاركة المرأة الفلسطينية في العمل الوطني من خلال الأطر النسوية الجماهيرية التي انتشرت في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة والتي كانت قد أنشئت قبل عدة سنوات من انطلاق الانتفاضة. لكن دور المرأة الفلسطينية في هذه الانتفاضة لم يقتصر فقط على العمل الخيري التطوعي، بل امتد إلى المشاركة في العمل السياسي، والنضالي الذي تمثل في مشاركتها في الأحزاب السياسية، والحركات الثورية، إلى جانب انخراطها في العمل الفدائي؛ حيث تقدمت العديد من النساء العمل الكفاحي وخضن مبادرات ثورية نتج عنها إما استشهادهن أو زجهن في المعتقلات. كل هذا ساهم بالطبع في خلق حالة من الوعي المحلي في المجتمع الفلسطيني حول أهمية ودور المرأة في هذا الانتفاضة ورفع من قيمة المرأة وعزز من دورها في المشاركة وصنع القرار الداخلي في قيادة الانتفاضة.

إلى ذلك استكملت الانتفاضة الأولى إبراز دور المرأة المماثل لدورها في ثورات الشعب الفلسطيني المتتالية، فتنامى دورها على المستوى الميداني؛ عبر رفع الوعي والتنظيم، والمشاركة في المظاهرات والاعتصامات، وتوزيع المناشير والبيانات، ومساعدة الفدائيين الفلسطينيين ولجان العمل المناطقية؛ بإمدادهم بالاحتياجات الضرورية من غذاء و دواء ومعلومات. بالإضافة إلى دورها في حماية الشبان من اعتداءات الجنود، وعرقلة عمليات الاعتقال.

أما على الصعيد التنظيمي والنقابي، فقد تشكلت العديد من اللجان والأطر النسوية التي تميزت بامتدادها الجغرافي الشامل لمدن وقرى ومخيمات الوطن، مفسحةً المجال لشمولية النشاطات التي كانت تقوم بها هذه اللجان، فنظمت حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وساعدت في نشر التوعية بهدف استقطاب اكبر عدد ممكن من الكوادر النسوية للعمل في الاتحادات، واللجان المختلفة. بالإضافة إلى سياسة الحشد والتضامن مع النداءات المناهضة لسياسات الاحتلال القمعية، فقد لعبت الاتحادات النسوية دورا مهما في الوصول إلى الجهات الإعلامية، لخرق سياسة التعتيم الإعلامي التي انتهجتها قوات الاحتلال الإسرائيلي

. أما على الصعيد الاجتماعي، فقد قدمت اللجان النسوية المساعدات التعليمية والصحية والاقتصادية، حتى في ظل نظام منع التجول أو الإغلاق التام؛ فكانت المرأة من أوائل من استخدم أسلوب التعليم المنزلي؛ حرصا منها على استكمال تعليم الأطفال، وحثهم على متابعة علمهم كسلاح فعال في وجه الاحتلال وسياسته القمعية. من جهة أخرى، فقد تمتعت المرأة بدور مهم في الحفاظ على الأسرة من الانهيار النفسي والمعنوي، فكان للجان دورا في مؤازرة ذوي الشهداء والمعتقلين وتقديم العون لهم. ففي بعض المناطق لجأت المرأة إلى إتباع سياسة الاكتفاء الذاتي، حيث اتجهت إلى الزراعة واستخدام طرق تقليدية في حفظ وتخزين الأغذية؛ في محاولة منها لكسر الحصار الذي كانت تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على السكان الفلسطينيين آنذاك.

دور المرأة في الحفاظ على الهوية الوطنية:

هذه العوامل والأدوار مجتمعة للمرأة الفلسطينية ساهمت في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية وتعزيزها. لقد هدفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلال السياسة القمعية التي انتهجتها إبان الانتفاضة الأولى، إلى كسر صمود الشعب الفلسطيني، وشطب الهوية والموروث الوطني الفلسطيني. لذلك تعرضت الهوية الفلسطينية إلى استهداف مباشر، وبات الحفاظ على الهوية الوطنية من أولويات المرأة الفلسطينية لإدراكها أهمية دورها وانعكاسه على مسيرة نضال الشعب الفلسطيني سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا. لقد دأبت المرأة الفلسطينية على تكريس الهوية بطرق عدة متأصلة ومستمدة من عناصر الواقع الذي تعيشه. في هذا الإطار تقول زهيرة كمال: "أن للمرأة الفلسطينية قدرة مميزة في الحفاظ على الهوية الفلسطينية، حيث ابتدعت أساليب مختلفة يمكن ذكرها في هذا السياق, كالذاكرة والحكاية/ التاريخ الشفوي والتعبير بالفن كالغناء، والحياكة، أو التطريز الفلسطيني".

الذاكرة:

تقول زهيرة كمال: "إن طبيعة المرأة، وأسلوب عيش النساء الفلسطينيات، كلها عوامل لعبت دورا أساسيا في تنمية قدرة المرأة على الاهتمام بالتفاصيل وتذكّر الأحداث. فتواجدها الدائم في المنزل ومحيطه بحكم العادات والتقاليد قوّى من قدرة المرأة على رؤية الأشياء بتفاصيلها ودقة في حفظها". للذاكرة دور أساسي في الحفاظ على الهوية والتاريخ الفلسطيني لدحض الرواية الصهيونية، وإفشال المحاولات الإسرائيلية لاستبدال الرواية الفلسطينية، بالتالي طمس الهوية وبعثرة الذاكرة الوطنية الجمعية، التي يحرص الفلسطيني على التمسك بها وتجذيرها ونشرها، كما وأن الذاكرة تعتبر المحور الأساسي للتاريخ الشفوي ومصدر أساسي له.

الحكاية أو التاريخ الشفوي:

تستكمل الحكاية والتاريخ الشفوي دور المرأة وإمكانيتها في حفظ الذاكرة، والتدقيق في تفاصيلها. تقول رفعة أبو الريش: "إن التاريخ الشفوي ذو أهمية ومكانة رفيعة بالنسبة للفلسطينيين نتيجة غياب السجلات والوثائق ذات العلاقة بالأحداث التاريخية التي مر بها الشعب". تأتي أهمية الحكاية في الفرصة التي تتيحها عبر أساليبها المتعددة لإعطاء المرأة مساحة من الحرية للإفصاح عما كان يدور في خلجاتها، وشعورها، والأحداث التي مرت بها. بالتاريخ الشفوي ربت الأم أطفالها على حب فلسطين، ومعرفة تاريخها، والانتماء لها مهما كانت الظروف، فتجد الأم الفلسطينية منهمكة في محاولة نقل الذاكرة وزراعة الإيمان بحق العودة والحرية لدى أبنائها. لذلك تعتبر المرأة أن من واجبها وكجزء من نضالها، أن تنقل التاريخ بين الأجيال، والحرص على إبقائه حيا قادراً على الصمود في وجه السياسات التهويدية المستمرة منذ بداية الاحتلال، كتلك المتمثلة في تدمير القرى الفلسطينية وإخفاء أية معالم تدل على عروبتها، و القلب الكامل والقسري المتعمد لتركيبة فلسطين الديموغرافية واستكمال الاستيطان...الخ فشعبنا مدرك لهذه السياسات، لذلك تراه يحاول - حتى بأبسط الطرق- الحفاظ على فلسطينية المكان والهوية.

التراث والفن:

في سبيل الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، دأبت المرأة الفلسطينية على إتقان فن التطريز اليدوي والحياكة، حيث نشاهد أثوابهن وقد تلونت بألوان العلم الفلسطيني ورموز التراث الشعبي من المطرزات، مثل شكل المفتاح للتعبير عن التمسك بحق العودة، و الزيتون والأرض للتعبير عن معاني ومكانة الأرض في وجدان الشعب الفلسطيني وقضيته. ومن خلال هذا النوع من الفن؛ استطاعت المرأة أن توثق وتقص معاناة الشعب الفلسطيني بكافة تفاصيلها. وقد تجلى الحفاظ على الهوية والموروث الثقافي في تطريز وصناعة الكوفية الفلسطينية -رمز الانتفاضة- وفي ثنايا حياكتها، وارتدائها تأكيدا منها على أهمية الحفاظ على معالم تراث وثقافة شعب متراكمين على أرضه منذ عصور. ضمن هذا السياق، يتضح مدى التصدي والتحدي للمحاولات الممنهجة التي يقوم بها الاحتلال لسرقة ونسب تراث الشعب الفلسطيني لتاريخ مزعوم، في أثناء محاولاته طمس الهوية الوطنية الفلسطينية وإبعاد الأجيال الفلسطينية القادمة عن ماهية تلك الهوية وعناصرها.

الخلاصة:

لم يكن من السهولة بمكان الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية بكافة أشكالها وتجلياتها، فمشاركة فئات المجتمع المختلفة وتفاعل دور المرأة الايجابي بهذا الصدد كانا أمرين لابد منهما. إن الدور الذي لعبته المرأة الفلسطينية اظهر وجه وقدرة للمرأة الفلسطينية في ميادين النضال الفلسطيني، حيث لعبت دورا أساسيا في مواجهة الاحتلال، تؤديه بداية من المنزل كإسعاف المرضى أو الحياكة، إلى الشارع حيث المظاهرات والمواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من المساهمة البناءة للمرأة الفلسطينية في تحديد وصون الكيانية الفلسطينية، إلا انه يوجد نقص في الأبحاث والدراسات التي تتحدث عن دور المرأة الفلسطينية في الحفاظ على الهوية الوطنية ومقاومة الاحتلال. وعلى الرغم من تطرق بعض الكتاب و الباحثين إلى دور المرأة الفلسطينية، غير أن ذلك يعتبر غير كاف للإلمام بدور المرأة على مستوياته المختلفة، لذا يجدر بالباحثات والباحثين الوقوف على أبعاده، علهم يستطيعون إنصاف دور المرأة والإحاطة بحضورها وآفاق تطلعاتها النابعة من ماض يعتز به كل من آمن بفلسطين الوطن والقضية