الرئيسية » منوعات »  

واقع الطفل الفلسطيني في ظل اتفاقية حقوق الطفل...
14 تموز 2014

 أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989م، اتفاقية حقوق الطفل، والتي دخلت حيز التنفيذ في الثاني من شهر أيلول/ سبتمبر 1990م، وقد أكدت السلطة الوطنية في ديباجة النظام الأساسي الصادر عن المجلس التشريعي الفلسطيني عن التزامها بمبادئ القانون الدولي العام ومبادئ حقوق الإنسان، وبالتالي الالتزام بنصوص اتفاقية حقوق الطفل. 

كما عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2001م اجتماعاً شارك به معظم رؤساء العالم وعدد كبير من المنظمات الدولية والعاملين مع الأطفال والأطفال، تم فيه إقرار وثيقة عالم جدير بالأطفال والتي تنص على تخفيف معاناة الأطفال، واحترام حقوقهم الواردة في اتفاقية حقوق الطفل.

تحتوي اتفاقية حقوق الطفل على "54" مادة تكفل كل ما للأطفال من حقوق فيما يخص حياتهم، ويمكن تصنيفها إلى خمسة مجموعات، مجموعة حقوق البقاء والصحة، مجموعة حقوق النماء والتعليم، ومجموعة حقوق المشاركة، مجموعة حقوق الحماية، مجموعة الحقوق العامة. 
وتتركز هذه الدراسة على واقع حقوق الطفل الفلسطيني التي كفلتها ونصت عليها اتفاقية حقوق الطفل، والتي عرفت المادة الأولى منها الطفل بقولها: "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سنّ الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه". هذا وتمثل نسبة الأطفال في المجتمع الفلسطيني الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة في منتصف عام 2000م بـ 53%. وهذا ما أظهرته بيانات دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية. 
 
نظرة عامة على واقع الطفل الفلسطيني:

منذ أكثر من 57 عام وفلسطين من أكثر الدول معاناة جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، الذي شرد ما يقارب 75000 فلسطيني عام 1948م ليصبحوا بلا مأوى، وليضحى أطفالهم لاجئين بلا أي ذنب اقترفوه. ولم يقف الأمر عند هذا الحد من البشاعة، بل تتالت الانتهاكات الإسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني على مدار الزمان السابق، حيث اقترف الاحتلال العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني والتي راح ضحيتها الآلاف من الأطفال والنساء والشباب، وأدّت إلى قطع السياق التنموي التطويري للمجتمع الفلسطيني. 
 
منذ بداية انتفاضة الأقصى، كان الأطفال الفلسطينيين ضحية للعنف الإسرائيلي، حيث قتلت سلطات الاحتلال حتى نهاية العام 2004م أكثر من 676 طفلاً دون الثامنة عشرة من العمر، كما وأصيب ما يزيد عن 9000 طفلاً، وعانى الآلاف من الأطفال من صدمات نفسية نتاج لمعايشتهم ومشاهدتهم لأحداث مروعة، إضافة إلى اعتقال ما يزيد عن 3000 طفلاً خلال الانتفاضة، وما زال أكثر من 300 طفلاً منهم يقبعون في السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلي في ظروف غير إنسانية. فالانتهاكات الإسرائيلية تركت آثار سلبية على مختلف مناحي حقوق الأطفال الفلسطينيين، سواء حقهم بالحياة، أو حقهم بالتعليم، أو حقهم بالحرية، أو حقهم بمستوى معيشي، أو صحي ملائم. كما أن النمط التقليدي السائد في تربية الاطفال في مجتمعنا، مضافاً إليه الإشكاليات المجتمعية وزيادة الفقر، والنقص في تلبية الاحتياجات الأساسية لفئات المجتمع المختلفة، وتعقد الأوضاع والمشكلات التي يعاني منها الوضع الداخلي الفلسطيني من تراجع على كافة المستويات، وخلل في الأداء لدى معظم المؤسسات الرسمية والأهلية، وغياب الأدوات والخطط والبرامج المنظمة للرد على الاحتياجات الناشئة جراء هذه الظروف يضيف صعوبات ومشاكل على الإنسان الفلسطيني بشكل عام وعلى الطفل الفلسطيني بشكل خاص. 
 
مدى تمتع الأطفال بحقوقهم:

لقياس مدى تمتع الأطفال في فلسطين بحقوقهم، سنتناول عدد من الحقوق الواردة في الاتفاقية ونبحث في مدى ضمانها واحترامها في المجتمع الفلسطيني. ففي الوقت الذي تنص فيه الاتفاقية على حقوق الطفل ابتداءً من حقه في الحياة (م6)، وحقه في أن يكون له اسم وجنسية (م7)، وحقه في التعليم، والصحة، وحرية التعبير، وبالفكر والوجدان، وفي حرية تكوين الجمعيات والاجتماع السلمي (م13، 14، 15)، وحقه في المشاركة و الحماية وعدم التميز، نجد أن الاحتلال الإسرائيلي يقتل ويلغي هذه الحقوق وعلى رأسها حق الطفل الفلسطيني في الحياة التي أكدته المادة (6) من الاتفاقية بقولها: "تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقاً أصيلاً في الحياة"، والفقرة الثانية التي نصت على أن: "تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حدٍ ممكن بقاء الطفل ونموّه". كما أن الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الفلسطيني ونمط التربية والتعامل السائد مع الأطفال يساهم في تعريض حقوق الأطفال للانتهاك المستمر. 

مجموعة حقوق البقاء والصحة:

- الحق في الحياة:

هو حق ثابت لكل إنسان سواء كان كبيراً أم صغيراً، فقد نصت المادة (6) فقرة (1) من اتفاقية حقوق الطفل على أن: "تعترف الدول الأطراف بأنّ لكل طفل حقاً أصيلاً في الحياة"، فيما نصت الفقرة (2) من المادة نفسها على أنّ: "تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه". 
 
كما نصت المادة (38) فقرة (4) من اتفاقية حقوق الطفل على أن: "تتخذ الدول الأطراف، وفقاً لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح". 
والحق في الحياة هنا يعني: عدم جواز القيام بأي عمل يمس روح الإنسان أو جسده، ويشمل ذلك الطفل الذي أشارت له على وجه الخصوص الفقرة (4) من المادة (38) المذكورة سابقاً، فإنّ استهداف قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي للأطفال، وتعمدهم قتل أكبر عدد ممكن منهم يشكل مساس خطير بحقوق الاطفال.

- الحق في الصحة:

إنّ من حق الطفل أن ينمو بشكل سليم ومعافى، وهو ما يحتاج أولاً إلى بيئة صحية، تتيح للطفل أن ينشأ نشأة خالية من العقبات والمنغصات الصحية، خاصة وأنّ أي خطأ صحي قد يكلف حياة الطفل غالياً، أو قد يؤدي إلى عجز دائم لديه، لاسيما وأنه أكثر عرضة للأمراض من الشخص البالغ، وهو ما نصت عليه المادة (4) من اتفاقية حقوق الطفل على أنّ: "للطفل الحق في قدر كاف من الخدمات الطبية، وأنّه يجب أن يتمتع بفوائد الضمان الاجتماعي، وأن يكون مؤهلاً للنمو الصحي السليم".

كما نصت المادة (24) فقرة (1) من اتفاقية حقوق الطفل على أنّ: "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه". سجل معدل وفيات الرضع انخفاض متزايد في الأراضي الفلسطينية بشكل متوازن، من 24.2 في عام 1997م ليصل إلى 22.7 في عام 2000م، ويتوقع أن ينخفض في عام 2010م ليصل إلى 18.1. ومع أن الأطفال في مجتمعنا يتلقوا خدمات صحية، إلا أن عوامل متعددة تؤثر علي مستوى صحة الأطفال أبرزها: قلة التغذية، والازدحام داخل المساكن، وكبر حجم الأسرة، وعدم المباعدة بين الولادات، وصغر سن ألام عند الزواج، والفقر، وعدم توافر الماء النقي، والبيئة النظيفة، كلها عوامل تؤثر بشكل سلبي على صحة الأطفال في مجتمعنا. 
 
- الحق في مستوى معيشي ملائم:

كفلت المادة (27) من اتفاقية حقوق الطفل مستوى معيشي ملائم للأطفال "تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل بمستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي" (المادة 27-1). كما دعت إلى أن: "يتحمل الوالدان أو إحداهما أو الأشخاص الآخرون المسؤولون عن الطفل، المسؤولية الأساسية عن القيام في حدود إمكانياتهم المالية وقدراتهم، بتأمين ظروف المعيشة اللازمة لنمو الطفل" (المادة 27-2). كما وضعت اتفاقية حقوق الطفل التدابير اللازمة لمساعدة الوالدين وغيرهم من المسؤولين عن الطفل على تطبيق هذا الحق، بحيث "تتخذ الدول الأطراف، وفقاً لظروفها الوطنية وفي حدود إمكانياتها، التدابير الملائمة من أجل مساعدة الوالدين أو الأشخاص المسؤولين عن الطفل، على إعمال هذا الحق وتقدم عند الضرورة المساعدة المادية وبرامج الدعم، ولا سيما فيما يتعلق بالتغذية والكساء والإسكان.

وقد انعكس سوء الأوضاع الاقتصادية على مختلف مناحي حياة الأطفال الاجتماعية والتعليمية والصحية …الخ، كما وساهم الحصار الاقتصادي، بزيادة الفقر والبطالة، والتي سببت بدورها عدم مقدرة الأهالي على توفير متطلبات الحياة لأطفالهم. فمما لاشك فيه أنّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية تلعب دوراً مهماً، ورئيساً، ومحدداً لكيفية النمو المتكامل للطفل، فبقدر ما يتاح للطفل العيش في ظروف سكن وكساء وتغذية، وجو اجتماعي ملائم، بقدر ما يتوفر له شروطاً أمثل لتكوينه الجسماني والعقلي والنفسي، بل أيضاً تضمن الوصول إلى النمو المتكامل جسمياً ونفسياً وثقافياً وفكرياً، بحيث يسمح لنمو مواهبه وقدراته الفنية والإبداعية، هذه الأمور مجتمعة حالت دون توفير مستوى معيشي ملائم للأسر عامة، وللطفل خاصة، بحيث لم تعد الأسر قادرة على توفير الكثير من الحاجات الأساسية لأبنائها، وقد انعكس ذلك بشكل سلبي على نمو الطفل النفسي والجسدي، وعلى حصوله على الغذاء والكساء الملائمين، في ظل عدم إمكانية الأسر توفير متطلبات الطفولة، مثل انخفاض مصروف الطفل اليومي، مما يعزز شعوره بالحرمان، فضلاً عن ضيق المساكن وعدم وجود مساحات للأطفال للتعبير عن مشاعرهم ومشكلاتهم في البيت والمدرسة والشارع، مما أدّى أيضاً إلى ارتفاع معدلات سوء المعاملة واستخدام العنف معهم، مما يؤكد أن الحياة الكريمة والملائمة لم تتوافر بعد لأطفال فلسطين. 
 
تشغيل الأطفال: 

تنص المادة (32-1) من الاتفاقية على أن: "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو نموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي أو الاجتماعي، بناء على قاعدة بيانات مسح القوى العاملة والذي نفّذه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال عام 1999م، تم استخراج المؤشرات التالية للأطفال في الفئة العمرية 10-17 سنة، هناك حوالي 34.061 طفلاً (10-17 سنة) في الأراضي الفلسطينية صنفوا داخل القوى العاملة (عملوا أو بحثوا عن عمل، أو كانت لديهم رغبة بالعمل)، ويشكل هؤلاء الأطفال ما نسبته حوالي 5.9%. و15.9% من الأطفال (10-17 سنة) بحثوا عن عمل أو كانت لديهم رغبة في العمل خلال العام 1999م وغالباً ما يستلزم عمل الأطفال، تركهم المدرسة، حيث تبين الإحصاءات المتوفرة لعام 1999م، أن 73.6% من الأطفال (10-17 سنة) العاملين غير ملحقين في المدارس، 73,4% من الأطفال العاملين، يعملوا أكثر من 35 ساعة عمل أسبوعياً، ويعتبر مستوى تعليم رب الأسرة ودخله وحجم الأسرة من أهم العوامل التي تؤثر على نسبة الأطفال العاملين، فالأسر التي يرتفع مستوى دخل وتعليم رب الأسرة فيها، وينخفض حجمها تكون نسبة عمل الأطفال فيها متدنية والعكس صحيح. وخلال انتفاضة الأقصى ارتفعت نسب عمالة الأطفال وبشكل ملحوظ بسبب الفقر والحاجة لتلبية احتياجات الأسرة. 
 
حقوق النماء والتعليم:

من حق الطفل أن يتلقى تعليم نوعي يستهدف "رفع ثقافة الطفل العامة وتمكينه على أساس من تكافؤ الفرص من تنمية ملكاته وحصانته وشعوره، بالمسؤولية الأدبية والاجتماعية ومن أن يصبح عضواً مفيداً في المجتمع". كما أكّدت أيضاً المادتان 28 و29 من اتفاقية حقوق الطفل على حق الطفل في التعليم، وتيسير الوصول إلى المعرفة العلمية والتقنية، وتنص اتفاقية حقوق الطفل مادة (28) على أن: "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقاً للتنفيذ الكامل لهذا الحق تدريجياً وعلى أساس تكافؤ الفرص، تقوم بوجه خاص بما يلي جعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومتاحاً مجاناً للجميع، وتشجيع تطوير شتى أشكال التعليم الثانوي سواء العام أو المهني، وتوفيره وإتاحته لجميع الأطفال، واتخاذ التدابير المناسبة، مثل: إدخال مجانية التعليم، وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة إليها.

توفر السلطة التعليم العام ورياض الأطفال لنسبة تبلغ 62.2 % من مجموع الطلاب، كما توفر وكالة الغوث الدولية مثل هذا التعليم بنسبة تبلغ 23.7 %، أما النسبة المتبقية (14.10%) فيوفرها قطاع التعليم الخاص، ترتفع نسبة التسرب مع تقدم المرحلة التعليمية، إذ نجد أن نسبة 6.6 % من الإناث و4.0% من الذكور يتركون مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية، للعام الدراسي 1998/1999م، يتفاوت معدل عدد الطلبة لكل معلم حسب الجهة المشرفة والمنطقة، إذ تشير التقارير إلى أن المعدلات الأعلى موجودة في مدارس وكالة الغوث الدولية، حيث بلغ معدل عدد الطلبة لكل معلم 39.4 طالباً، مقابل 27.9 طالباً لكل معلم في المدارس الحكومية، و17.9 طالباً في المدارس الخاصة للعام الدراسي 1999/2000م، ومع ذلك يعاني الأطفال في مجتمعنا من انخفاض مستوى المناهج، وعدم توافر الوسائل والموارد والأنشطة، ونقص التجهيزات بالمدارس، وتدني المستوى العلمي والمهني لبعض المدرسين إلى جانب غياب دور الأهل في النظام المدرسي، والاهتمام بكم المعلومات مع إهمال حاجات الطفل الأخرى، وعدم الوعي بقيمة اللعب والأنشطة التعليمية. 
 
الحق في المشاركة واللعب والترفية:

نصت المادة (31) من اتفاقية حقوق الطفل بضرورة أن: "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه، والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون". وإذا طبقنا هذه النصوص على وضع الأطفال الفلسطينيين في ظل الانتفاضة، لوجدنا النقيض من كل ذلك، فجو التوتر العام وانتشار حالات الخوف والهلع بين الأطفال الفلسطينيين، واضطراب سلوكهم، حال دون تمتعهم بأوقاتهم. ناهيكم عن سؤ تلبية هذا الحق أصلاً في حياة الأطفال؛ بسبب نقص المتنزهات وأماكن الترفية الخاصة بالأطفال، وهذا منافي لنص المادة (31-2) من اتفاقية حقوق الطفل "تحترم الدول الأطراف وتعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية، وتشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والاستجمامي، وأنشطة أوقات الفراغ." وبنظرة إلى واقع مشاركة الأطفال في المجتمع الفلسطيني نجد أن هنالك عدد من المعيقات تقف أمام تحقيق ذلك منها الاعتقاد بأن الأطفال غير قادرين على الاختيار، والقيام باتخاذ قرارات أو مسؤوليات الكبار ذاتهم الذين لم يتمرنوا على المشاركة، عدم احترام رأي الطفل. 
 
الأنشطة اليومية للطفل:

تحتل أنشطة العناية الشخصية والمحافظة على الذات "النوم، الأكل والشرب، الدراسة" المرتبة الأولى من أنشطة الطفل اليومية، وتحتل الأنشطة المتصلة بالنواحي الثقافية والاجتماعية (نشاطات دينية، التواصل الاجتماعي، الألعاب وأنشطة لتمضيه الوقت) المرتبة الثانية، في حين تحتل الأنشطة المتصلة بوسائل الإعلام المسموعة والمستمرة المرتبة الثالثة. كما أن وقت أنشطة التعليم العام يحتل المرتبة الأولى (54.5%) من أنشطة التعليم التي يقوم بها الأطفال الملتحقون بالتعليم، بينما يحتل وقت الدراسة والواجبات البيتية وحصص المراجعة المرتبطة بالتعليم العام المرتبة الثانية (34.4%) من أنشطة التعليم للطفل،حيث أفاد 64.0% من الأطفال (10-17 سنة) إنهم لم يقرأوا ولو كتاباً واحداً على الأقل خلال الشهور الـ 12 الماضية، في حين أن 9.8% منهم قرأوا كتاباً واحداً فقط، و10.1% قاموا بقراءة ما يقارب من ثلاثة إلى خمسة كتب، وأن 2.7% قاموا بقراءة 6-9 كتب، و8.4 % من الأطفال (10-17 سنة) مشترك في ناد رياضي،  و2.8% مشترك في ناد ثقافي، و8.3% مشترك في مكتبة عامة، و47% من مجموع الأطفال (10-17 سنة) يرغبون بتنفيذ نشاط ثقافي أثناء وقت فراغهم، أفاد 41.2% من مجموع الأطفال (10-17 سنة) الذين يرغبون بأداء نشاط ثقافي أثناء وقت الفراغ، وأن السبب الرئيس الذي منعهم من القيام بذلك يعود إلى عدم توفر المنشآت العامة لممارسة هذا النشاط، وأفاد 24.7% منهم بأن السبب يعود إلى عدم توفر الوقت، وأفاد 11.3% منهم بأن السبب يعود إلى عدم توفر المال اللازم لتغطية التكاليف.

ومما سبق نستدل على مدى نقص مشاركة الأطفال في الحياة العامة، وإن نسبة مشاركتهم في الأنشطة الاجتماعية والثقافية لا تزال دون المستوى المطلوب، للأسباب الواردة أعلاه، والذي بدوره يكرس نقص تلبية احتياجات وحقوق أعداد كبيرة من الأطفال، كما أن عدد من البرامج والأنشطة لا يزال يقدم في شكل تقليدي للأطفال. 
 
حقوق الحماية:

الأطفال الذين يعانون من سوء المعاملة، والإهمال والاستغلال في مجتمعنا: تنص المادة (34-1) من اتفاقية حقوق الطفل على أن: "تتعهد الدول الأطراف لحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي، تنص المادة (36) من ذات الاتفاقية على أن: "تحمي الدول الأطراف الطفل من سائر أشكال الاستغلال الضارة بأي جانب من جوانب وفاة الطفل". كما تنص المواد من (32 وحتى 40) على حماية الأطفال من التعذيب والحرمان من الحرية، ومن تعاطي المخدرات أو بيع الأطفال، ومن الاستغلال الجنسي، كما وتكفل للأطفال ضحايا الاستغلال والإهمال رعاية تأهيلية، وتكفل أيضاً معاملة خاصة للأحداث. ومع ذلك تتعرض حقوق الأطفال في الحماية إلى جملة من الانتهاكات من قبل بعض الأهالي الذين لا يحسنوا تربية أبنائهم، حيث يساهم التفكك الأسري وزيادة معدلات الطلاق في مجتمعنا، والمبالغة في عقاب الأطفال من قبل الأهل أو المعلمين إلى جانب تغيير سلم القيم والهبوط الأخلاقي المستمر، وزيادة الفقر والبطالة، وسؤ التعامل مع الأطفال الذي بدوره يفرز عوامل تسبب في انتهاك حقوق الأطفال، ومن مؤشرات ذلك ارتفاع عدد نزلاء دور الأيتام، مراكز رعاية الأحداث، فقد بلغ عدد نزلاء بيوت الأيتام عام 1999م في الضفة الغربية وقطاع غزة 1714 طفلاً، منهم 944 ذكوراً و770 إناثاً، ويتوزعون بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

بلغ عدد الأحداث المتهمون بارتكاب مخالفة 1.404 حدثاً في العام 1999م، منهم 775 حدثاً في الفئة العمرية 6/18 سنة، و487 في الفئة العمرية 12-15 سنة، و241 حدث في الضفة الغربية دون 12 سنة، و55,5% من الحالات التي وجهت إليها تهم وصدر بحقها أحكام، و41,8% من الأطفال المتهمين بارتكاب مخالفات، تم إبداعهم في المؤسسات التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، مثلت الإناث 6.1% من مجموع الأطفال المودعين.

وتدل المعطيات على تزايد ظاهرة انحراف الأحداث، وللأسف فإن المجتمع يتعامل معهم كمجرمين وليس كأطفال بحاجة إلى إصلاح، وفي أحيان كثيرة يتم مخالفة الطرق القانونية عند ضبط الأحداث، حيث يعنف معظمهم، ولا تقدم لهم خدمات المساعدة القانونية والإرشاد الاجتماعي والتأهيل المطلوب، وأحياناً يودعوا في مراكز توقيف مع مجرمين مما يؤثر عليهم ويعرضهم لعنف واستغلال، كما لا يزال أعداد كبيرة من الأطفال يستغلوا بالمعنى الاقتصادي من قبل الأهالي أحياناً ومن قبل أرباب العمل، حيث يتعرضوا لأنواع مختلفة من التعذيب والعنف عند رفضهم القيام بعمل ما، وفي أحسن الأحوال يتعرضوا إلى ابتزازهم مالياً عبر عدم منحهم الحقوق الملائمة أو توفير شروط العمل التي نص عليها القانون.

كما لا تزال بعض المعتقدات والتقاليد تكرس التميز بين الولد والبنت في كل مناحي الحياة في التعليم والصحة والمشاركة والترفيه والعمل، أما في مجال حقوق فئات الأطفال ذوي الحاجات الخاصة فلا يزال عدد كبير منهم يعاني الإقصاء والتهميش في داخل مجتمعنا برغم الجهود التي تبذلها بعض المؤسسات العاملة معهم، حيث يحمل المجتمع موقفاً سلبياً في التعاطي مع قضاياهم، حيث يتم التعامل معهم من باب الشفقة والإحسان عليم وليس على قاعدة الحق الذي يجب توفير أوسع الفرص لكفلته وضمان احترامه. 
 
الوضع النفسي لأطفالنا:

أثّرت الظروف الصعبة وممارسات الاحتلال على الأطفال نفسياً واجتماعياً، حيث تؤكد الدراسات إلى أن الاحتلال ضمن ما استهدفه شريحة الأطفال في المجتمع، حيث تؤكد دراسة لبرنامج غزة للصحة النفسية تم إجراؤها على أطفال عاصروا الانتفاضة، بأنهم قد تعرضوا إلى خبرات صادمة مختلفة لا زالت تتفاعل مع هؤلاء لغاية الآن. أثبتت الدراسة التي تمت على عينة من الأطفال تبلغ 2979 طفلاً من سن 6–13 عاماً بأن جميع أفراد العينة تعرضوا لخبرة صادمة على الأقل، وأن 70% منهم تعرضوا إلى ما بين 4–5 خبرة صادمة، و85% منهم تعرضوا لمداهمة قوات الاحتلال إلى بيوتهم، و 42% منهم شاهدوا آبائهم يضربوا من قبل جنود الاحتلال.

فالإنسان الفلسطيني عامة والطفل الفلسطيني خاصة تعرضوا لخبرات صادمة لا زالت تؤثر بشكل سلبي عليهم، فهذه الخبرات هي عبارة عن تيار الألم متابع عبر الأجيال، الذي بدوره يؤكد الاعتلال النفسي لدى الأطفال الذين تعرضوا لهذه الخبرات الصادمة التي تظهر في الشعور بالخوف، عدم الأمان، التوتر، الميل إلى العدوانية، عدم الشعور بالحماية إلى جانب تأثيرات ذلك على احتياجات الأطفال وحقوقهم التي انتهكتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. 
 
الخلاصة:

من خلال قراءة واقع الطفل الفلسطيني من حيث حقوقه وحرياته الأساسية، وبين ما هو منصوص عليه ومؤكد في اتفاقية حقوق الطفل، يتبين لنا الفرق الواسع بين ما هو مضمون ومكفول من حقوق وحريات أساسية للطفل وبين الانتهاك الفاضح والمعلن المنظم اتجاه الطفولة الفلسطينية حياةً وأمناً وصحةً وتعليماً وحماية. وفي هذه المعالة تتحمل دولة الاحتلال الإسرائيلي الجانب الأكبر من المسؤولية عن انتهاك حقوق الطفل الفلسطيني كونها لا تقيم وزناً ولا قيمة لكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي لم تلتزم فيها بتعهداتها تجاه حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. 
 
وأما على المستوى الفلسطيني الداخلي، فيشكل الأطفال مجتمع الغد، وبالتالي الاهتمام بتنشئتهم وتنمية قدراتهم حتى يتسنى لهم أن يساهموا بل وليكونوا عنصر تقدم وترقية اجتماعية، فمواطنة الطفل والشاب لا تمر بالضرورة عبر التصويت، إنما عبر إعطاء الأطفال والشباب الاعتبار للتعبير عن ذاتهم والاعتراف بهم كعنصر أساسي مشكل للجماعة والمجتمع، ونتيجة ذلك تبرز مواطنته عبر فعله تجاه المجتمع وتأثيره في قضاياه. هذا لن يتم إلا من خلال منح الأطفال حقوقهم، فالمجتمع الفلسطيني ومؤسساته مدعو لأن يضع قضية الأطفال وحقوقهم على رأس أولوياته من أجل علاج الآثار السلبية الناجمة عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، من خلال برامج موجهة للأطفال بشكل عام والفئات التي تعرضت بشكل خاص حقوقهم للمساس المباشر، كالأطفال المصابين والأطفال الأسرى والأطفال الذين هدمت منازلهم أو أبناء الشهداء والأسرى... وغيرهم من الفئات المهمشة.

وعليه، فإن السلطة التنفيذية مطالبة بالإسراع في إصدار اللوائح التنظيمية لقانون الطفل الفلسطيني الذي دخل حيز التنفيذ. 
كما أن السلطة التشريعية مطالبة بأجراء تعديلات على بعض مواد هذا القانون من خلال قانون معدل يتم فيه إعادة صياغة بعض مواد القانون الحالي، بحيث تتلائم مع اتفاقية حقوق الطفل من جهة، ومن جهة أخرى تحويل هذه المواد لتصاغ بشكل التزامات وتعهدات على السلطة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن أجل ترجمة هذه القوانين إلى واقع، هناك ضرورة لوضع مجموعة من السياسات التي تساهم في إشباع حاجات أطفالنا وتلبية حقوقهم، وتخصيص موازنات لتنمية القطاعات التي تعنى بالطفولة كالخدمات الاجتماعية والصحية والتعليم.

كما أن المنظمات الأهلية المعنية بالأطفال عليها أن تضاعف جهودها في مجال التوعية بحقوق الأطفال، وتوفير أوسع الفرصة التنموية لتلبية احتياجات الأطفال، كما أنها مطالبة بحسن إدارة برامجها، وضمان مشاركة الأطفال فيها وتفعيل التشبيك فيما بينها من أجل الضغط لاحترام حقوق الأطفال. 
 
إن الجميع مطالب بأن يعمل على إيجاد بيئة وظروف أفضل لأطفالنا تعمل على تلبية احتياجاتهم واحترام حقوقهم، بيئة تتيح لهم المجال بالتطور والنمو والارتقاء فهم جيل الغد وحماة المستقبل. 
 
ملاحظة: الإحصائيات الواردة في ورقة العمل من كتاب أطفال فلسطين قضايا وإحصائيات، دائرة الإحصاء المركزية، 1999م.