الرئيسية » تقارير نسوية » نساء فلسطينيات »  

احتفالاً بيوم التراث: المرأة الفلسطينية ترسم هويتها من خلال فن التطريز
19 تشرين الأول 2020

 

 رام الله-نساء FM-يحتفل الشعب الفلسطيني في السابع من أكتوبر/تشرين الأول سنوياً بـ»يوم التراث الفلسطيني» بهدف إحياء التراث والمحافظة عليه من النسيان والسرقة. ومن أهم مظاهر هذا التراث يأتي فن التطريز، الذي يحمل سمات وتفاصيل وحضارة هذا البلد، فالمرأة العربية في العموم اشتهرت بفن الحياكة والتطريز، وفنون القطبة والنول والسدو، تحيك خيوطها غرزات خاصة لكل بلد.

الزي الفلسطيني

يعتبر التطريز أقدم أشكال الفن، فقد ولد مع ميلاد هذه الأرض وواكب كفاح المرأة الفلسطينية وتاريخها الخاص. وعملية تأريخ الزي الفلسطيني التقليدي إبداع رحلة وموروث ثقافي؛ وبحسب المؤرخ سميح حمودة.. يعبِّر التطريز الفلسطيني عن مكوِّن الهوية الثقافية، فهو امتداد لفن عريق عرفته فلسطين منذ مئات من سنين الاستيطان البشري فيها، فهو يعكس ميزة الثقافة الفلسطينية التي هي مزيج متجانس من ثقافات الشعوب المختلفة، التي جاءت لهذه الأرض وسكنتها، لذا نجد التطريز الفلسطيني يختلف عن التطريز عند الشعوب الأخرى في المنطقة، التي لم تعرف التنوع والامتزاج الثقافي الذي عرفته فلسطين. كما يعكس علاقة الفلاح الفلسطيني بالأرض، وتعلقه ببيئته الطبيعية، ففيه الوردة والسنبلة والشجرة وورقة العنب وألوانه مستمدة من الطبيعة.

الموسيقى والسينما

وتأتي الموسيقى والأغاني الشعبية، تراثاً عريقاً ترثه الحفيدات عن الجدات، وما أغنية «ستي إلها ثوب وشال» كلمات خالد جمعة وألحان سهيل خوري، إلا مثال على ذلك، الفيديو يصور فلسطينيات يرتدين الثوب يحاكي مشاعر الحفيدة وتقديرها لقصة ثوب جدتها الذي حيك هناك في البلاد، وأهمية توارثه عبر الأجيال. ومن الموسيقى إلى السينما، فنجد الفيلم الوثائقي «خيوط السرد» لكارول منصور المُحلق عالمياً، رسمَ فلسطين من خلال 12 امرأة، حيث تستعيد النساء حياتهن قبل الاحتلال، حياتهن الحالية، أحلامهن وفلسطينهن، التي تربطها خيوط من فن التطريز القديم. ما بين العشق لبلدهن وقصصهن معه قبل الإنسلاخ عنه بفعل الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 وتراث التطريز الذي يعتبرنه أحد عناصر المقاومة، ويشددن الحفاظ عليه؛ «خيوط السرد» يمزج قصة فلسطين والتطريز التقليدي، حيث ربط النضال وحلم العودة والهجرة بفن التطريز:

قالت إحدى الراويات.

كما قالت الأخرى بإنها وعدت سيدة أهدتها الثوب الفلسطيني، وعدتها بإلا تلبسه الا لما تتحرر فلسطين.

الفن التشكيلي

عكست الفنانات التشكيليات في فلسطين والمهجر الزي الفلسطيني وأبرزنه في اللوحات والجداريات والأشغال اليدوية: مثل أعمال سامية الزرو وفيرا تماري وتمام الأكحل وفاتن طوباسي وغيرهن. عن ذلك تقول الرسامة شيماء الفاروقي.. «تركز الفنانات إبراز التطريز الفلاحي، لأن الفنانة الفلسطينية ابنة بيئتها والتطريز، انعكاس لتراثها وتشبثها بالوطن المسلوب، خاصة أن تراثنا يتعرض لهجمة من قبل العدو وينسبونه لهم. تمسك المرأة بالثوب الذي ينسج بأنامل فلسطينية، أمر مهم، ووضعه في اللوحة يعني الكثير من ناحية وطنية، ثقافية، وتراثية.

الأدب

 

التطريز مرتبط بالذاكرة ويترك بصمات على الشخصية الفلسطينية، فتراه يخرج في المذكرات والسير، ففي كتابها «مسيرة أمل، خواطر من فلسطين» تحكي سامية ناصر خوري عن روب التخرج لطلبة جامعة بيرزيت: «كان حفل تخرج أول فوج جامعي من جامعة بيرزيت عام 1976، ولأهمية الحدث كان لا بد من إعطاء الطابع الفلسطيني، وترسيخ أصالته وهويته، فقمت بتصميم روب التخرج وعليه سنابل القمح، وقامت بحياكة التصميم فتيات من جمعية إنعاش الأسرة وخرج الروب مزين بالتطريز، وما زال بالنمط نفسه حتى الآن.

وفي كتابها «لفتا يا أصيلة»، أفردت عايدة النجار صفحات عن الثوب الفلسطيني المطرز والمعـــــروف (بالثوب الفلاحي).. «يتميز برموزه ويحمل الهوية الأصيلة الحية منذ لبسته الجدات الكنعانيات، قبل الآف السنين، بقيت له منزلة خاصة لأنه يرمز للأمهات اللواتي طرزنه بالخيط والإبرة».

كما خصصت في كتابها «القدس والبنت الشلبية» فصل «ثوب القروية الشلبية» يُفصل كل ما يخص فنه وأدواته في منطقة القدس وقراها: «إنه التاريخ والبيئة والحياة، وتراث غني وثمين، فلنفتخر به ونحافظ على روح الجدات». وأقتبس سطوراً من قصة بعنوان «رضينا بالهَم» ــ من تأليف صاحبة المقال ـ تصف خضرا الفلاحة، التي تعتاش من التطريز وتبيعه لجمعية نسائية، وتصف القطبة:

«رسومات تخطها بخيوط كادت تعمي عينيها، ترسم عصفورا ووردة، تطرز الميزان وشجر السرو، كان أجمل تطريز تخيطه غرزة على شكل مكتوب تتخيله رسالة من خالها المغترب لأمها.

توثيق التراث

تجتمع النسوة للتطرير والفضفضة في ما بينهن، الإبرة تمشي سريعاً فتخيط الأخبار والكلام. ومن المناظر المألوفة في فلسطين نساء يجلسن داير الدور يطرزن لحين غروب الشمس، حيث يتوقف التطريز. ولن ننسى سميحة خليل (خالتي أم خليل)، يرجع الفضل لها في توثيق هذا التراث بداية احتضانها المبدعات والمنتجات، ممن يمتهن التطريز ويعتشن منه في جمعية إنعاش الأسرة. أتت فكرة جمع تاريخ وتراث التطريز لترسيخ الهوية الفلسطينية عندما ما وظفت مؤسسات العدو الثوب بنسبته لهم بشكل رسمي، فتكاتفت الجهود لمواجهة هذه الهجمة الشرسة فقامت (أم خليل) بإنشاء مركز للأبحاث الفلسطينية متفرع من جمعية إنعاش الأسرة، فانتشر الباحثون في جميع أرجاء الوطن، وجمعوا شفاهياً مكنونه من القرى والمدن ومضارب البدو، وسُخرت الشرائح الثقافية في فلسطين لتوثيق هذا التراث منهم: نبيل العناني وسليمان منصور، والباحثين مثالاً لا حصراً: عبد العزيز أبو هدبا، شريف كنعانة، وعبد اللطيف البرغوثي. مؤرخون وكُتّاب تخصصوا في جمع كل ما يتعلق بالتراث الفلسطيني، والنتاج «موسوعة الأزياء الشعبية الفلسطينية» و»دليل فن التطريز الفلسطيني». كما قام المركز بتوثيق التقاليد المتوارثة في الإنجاب والأعراس وحفلات الطهور وأهازيج الوطن والطقوس المتبعة في ليالي السمر. كما أن هناك اسماء حافظت على التراث المرتبط بالتطريز مثل، وداد قعوار، تانيا ناصر، مها السقا، رُبى يوسف، سهام أبو غزالة وسهام الدباغ. كذلك ساهمت المعارض الفلسطينية العالمية في نشر هذه الثقافة، من خلال عرض المشغولات والملابس ذات الصلة، إضافة إلى المشاغل والمؤسسات الوطنية ووكالة الغوث، كان لها ولم يزل دور وطني مهم يُعنى بتوظيف وتسويق أعمال التطريز اليدوية لفلسطينيات يتقنَ هذه الحرفة. وما هذا النتاج الفني الذي يدور حول الفُلك إنما أتى ليعزز مقولة السلف: «لكي لا ننسى

رقية العلمي: كاتبة فلسطينية