الرئيسية » تقارير نسوية » نساء حول العالم »  

قصة كفاح المرأة الألمانية ونجاحها في مهنة الهندسة المعمارية
17 آب 2020

 

برلين-نساء FM-الهندسة المعمارية تعتبر مهنة للرجال عادة، لكن هناك نساء أثبتن جدارتهن وتفوقن على الرجال في هذه المهنة. معرض "السيدة المعمارية" في دوسلدورف يحكي قصة كفاح المرأة الألمانية ونجاحها في مجال الهندسة المعمارية.

"لا يزال الأمر يحتاج إلى المزيد من الثقة بالنفس، لتشق المرأة طريقها وتصبح مهندسة معمارية"، حسب تصريحات أدلت بها مؤخرا المهندسة المعمارية الإنجليزية المعروفة أليسون بروكس، وتضيف "إننا نكبر مع آلهة وأبطال كلهم رجال". بروكس هي المرأة الوحيدة التي فازت حتى الآن كمهندسة معمارية بجوائز: "ريبا ستيرلينغ RIBA Stirling Prize" و"مانسر ميدال Manser Medal" و"ستفان لورنسStephen Lawrence Prize ".

أليسون بروكس (58 عاما) تعتبر صوتا رائدا بين قريناتها، ورغم ذلك تعاني من عدم المساواة في مهنتها.

أيضا المهندسة المعمارية العراقية- البريطانية زها حديد التي فازت عام 2004 كأول امرأة بجائزة "بريتسكر Pritzker-Preis"، كررت وحتى وفاتها المفاجئ عام 2016 التأكيد على ما عانته وكم كان صعبا عليها أن تثبت نفسها في مهنة يسيطر عليها الرجال. وحين تم وصف تصميمها المقترح لملعب كأس العالم 2022 في قطر، بأنه يذكر بالمهبل، ما كان منها إلا أن تهز برأسها يأسا من جهل أصحاب هذا الوصف. ويبدو أن عصر وجوب تبرير المرأة لتأهليها وما تقدمه لم يمض بعد، رغم أن ميركل المرأة مستشارة ألمانيا وحقيبة وزارة الدفاع في ألمانيا تحملها امرأة!

حكم مسبق: المرأة غير مناسبة لتكون مهندسة معمارية!

لا تزال الأحكام المسبقة سارية منذ أكثر من قرن، من قبيل: المرأة لا تجيد الحساب وبالتالي لا تستطيع إدارة الميزانية، المرأة لا مكان لها في مواقع مشاريع البناء. مثل هذه الأحكام المسبقة حرمت المرأة ولزمن طويل من ممارسة الهندسة المعمارية كمهنة. صحيح أن الوضع اليوم ليس كما في السابق حسب ما تشير إليه الأرقام، حيث أن عدد الإناث في السنة الأولى بكليات الهندسة المعمارية في ألمانيا أكثر من عدد الذكور، وفي عام 2018  كانت نسبة النساء 60 بالمائة ممن حصلوا على الماجستير في الهندسة المعمارية.

لكن رغم ذلك لا تلفت المرأة النظر في هذا المجال أو أنها تضطر لعدم ممارسة هذه المهنة لأنها لا تستطيع التوفيق بين ظروف العمل والعائلة. فحسب إحصائيات غرفة المهندسين المعماريين الاتحادية في ألمانيا لعام 2016، فإن نسبة المهندسات المعماريات في مجال الأبنية العالية بلغت 22 بالمائة، وفي مجال التخطيط العمراني لم تتجاوز الـ 9بالمائة! وعلاوة على ذلك لا تزال المهندسة المعمارية تحصل على أجر أقل من زميلها بنحو 20 بالمائة.

التحذير من المهندسة المعمارية

حتى قبل أن يسمح للمرأة بدراسة الهندسة المعمارية في ألمانيا قبل أكثر من مائة عام، تم التحذير مما يمكن أن تبنيه لدى تكليفها بمشروع ما! وفي عام 1911 كانت اليزبيث فون كنوبلسدورف، أول امرأة في ألمانيا تحصل على درجة دبلوم في الهندسة المعمارية من المعهد الملكي العالي في برلين. والأميرة فيكتوريا تسو بنتهايم شتاينفورت صممت العديد من الأبنية على أراض تعود لعائلتها. وافتتحت ايميلي فينكلمان كأول امرأة في ألمانيا مكتبها للهندسة المعمارية في برلين عام 1907. معرض "السيدة المعمارية.. منذ أكثر من 100 عام: النساء في مهنة الهندسة المعمارية" الذي تقيمه غرفة المهندسين المعماريين في دوسلدورف يحكي قصة المهندسات المعماريات اللواتي كتبن تاريخ العمارة في ألمانيا.

 

المرأة والهندسة المعمارية قبل عام 1945

كان على المرأة أن تكافح لتتغلب على العقبات التي كانت تعترض طريقها كمهندسة معمارية. في مطلع القرن كان لا يزال هناك نقاش حول الملابس التي على المهندسة المعمارية ارتداؤها أثناء العمل. فالسروال كان يعتبر فضيحة!

في الولايات المتحدة كان الوضع مختلفا وكانت المرأة تتمتع بحرية أكبر ولم تكن هناك أي عقبات أمامها لدراسة وممارسة مهنة الهندسة المعمارية، حسب ما دونته عام 1902المهندسة المعمارية الأمريكية Lois L. Howe. وأول ثلاث مهندسات معماريات في ألمانيا: ايميلي فينكلمان واليزبيث فون كنوبلسدورف وتيريزا موغر، استفدن فيما بعد ومتأخرا مما حصلت عليه وحققته المهندسة في الولايات المتحدة. والفترة النازية كانت انتكاسة للمهندسة الألمانية، حيث المشاريع المعمارية كانت تخضع لرقابة شديدة من الحكومة، وفي معسكرات الاعتقال توفيت 100 مهندسة معمارية يهودية.

النظرة الذكورية كانت مسيطرة حتى بعد الحرب العالمية

بعد الحرب العالمية الثانية في خمسينات وستينات القرن الماضي لم تشهد ألمانيا انفراجا وتقدما بالنسبة لوضع المرأة، حيث كان المطبخ يعتبر مكانها الطبيعي. وهذا يعني في مجال الهندسة المعمارية: الاقتصار على المجالات التي تسيطر عليها المرأة مثل تصميم المنازل والأبنية المخصصة للشباب والأطفال أو التصميم الداخلي للأبنية، حسب المعلومات التي يقدمها دليل معرض دوسلدورف عن المرأة في الهندسة المعمارية. لكن رغم ذلك استطاعت بعض المهندسات تصميم أبنية عامة أيضا.

ففي جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة لفتت المهندسة المعمارية إريس دولين غروند الأنظار عام 1965 من خلال تصميمها لمبنى "بيت الثقافة والتأهيل" في نوي براندنبورغ.

وفي سبعينات وثمانينيات القرن الماضي لفتت الأنظار مهندسات مثل غيرترود شيله التي وضعت تصميم مبنى شركة VEB Carl Zeiss-Jena للتصدير العالمي. وفي غربي ألمانيا أيضا كانت هناك مهندسات رائدات مثل زيغريد كريسمان-تشاخ التي شيدت أبنية تجارية في غربي برلين، وإنغيبورغ كويلر التي اشتهرت عام 1990 من خلال تصميمها لمبنى متحف العمل والتقنية في مدينة مانهايم.

وماذا عن اليوم؟ "المهندسات المعماريات يحتجن الدعم من النساء اللواتي حققن النجاح في هذا المجال" قالت زها حديد عام 2012 عندما حصلت على جائزة "جان درو Jane Drew". وأضافت "صحيح أن اليوم مهندسات معماريات أثبتن أنفسهن ويتمتعن باحترام كبير أكثر من السابق، لكن هذا لا يعني أن الأمر أصبح سهلا".

فلا يزال عدد المعماريات اللواتي لديهن مكاتب خاصة بهن، قليلا جدا. وأحد أسباب ذلك صعوبة التوفيق بين ظروف هذه المهنة التي تأخذ الكثير من الوقت والرغبة في الإنجاب وتربية الأطفال.