الرئيسية » تقارير نسوية » نساء فلسطينيات »  

الشيف البريطانية الفلسطينية جودي القلا: طُلب مني تغيير اسم كتابي “فلسطين على طبق”.. وقولي “لا” جزء من مقاومتي
02 تموز 2020

 

رام الله-نساء FM-بدأ عشق الشيف البريطانية من أصل فلسطيني جودي القلا للطبخ منذ الصغر، إذ كانت تراقب والدتها أثناء تحضيرها الأكلات التي بقيت في ذاكرتها من فلسطين بعد الهجرة والترحيل. ساعدها ذلك في اكتشاف هويتها ومعرفة المزيد عن تاريخ أجدادها وثقافتهم التي يحاول الإسرائيليون الاستيلاء عليها.

في حوار خاص مع “القدس العربي” تتحدث مؤلفة “كتاب فلسطين على طبق.. ذكريات من مطبخ أمي” عن شغفها بالمطبخ الفلسطيني وعلاقته بهويتها والرسالة التي تحاول إيصالها.

من أين جاء هذا الشغف بالمطبخ الفلسطيني والرغبة في مشاركته مع العالم؟

عندما كنت أدخل إلى المطبخ مع أمي وأنا صغيرة، لم أكن أعي ماذا كنا نفعل كنت فقط أساعدها ولكن تدريجيا بدأت أتعلم من نحن ومن أين أتينا. كنت أستمع لقصص جدتي وعماتي اللواتي كن يزرنا في لندن، وكنا نزورهم في سوريا والأردن ومصر حيث هُجروا. بدأ كل ذلك يؤثر فيّ، كم رائع المطبخ الفلسطيني وكم من قصة وراء كل شيء.. كل طبق لديه ذكرى عند أحد. وكنت مهتمة جدا بمعرفة هذه القصص. كان ذلك أكثر من مجرد طعام. كان وسيلة تواصل معهم. لم أكن أفهم تماما كل شيء، فالنشأة في لندن تجعل لديك منظورا مختلفا عن الحياة.. وهم عانوا من التهجير من وطنهم فلسطين ليصبحوا لاجئين في سوريا، لذا كنت مهتمة جدا في هذه الجزئية من حياتهم. وعندما أصبحت في العشرينيات من عمري زاد اهتمامي بشدة في هوية الأكل ومن هنا بدأت أتعلم في مدارس الطهو والعمل في المطاعم، وبعد مرور عشر سنوات تقريبا أسست مشروعي الخاص مطعم “بيتي”.

أصبحت من خلال هذا المشروع قادرة على التعبير عن نفسي، فكنت أغير قائمة الطعام كل يوم، وأثقف الناس حول المنتجات الفلسطينية التي يشترونها مثل الزيتون والزعتر والطحينة. كان هذا أمرا غير اعتيادي بالنسبة لهم لأنه في ذلك الوقت الأكل الشرق أوسطي كان عبارة عن الطعام الذي يأكلونه في المطاعم اللبنانية مثلا، لم تكن هناك هوية مطبخ محدد وإنما فكرة عامة عن طعام هذه المجموعة من الناس. وهنا فعلا بدأت أفكر أنني أريد أن أضع أفكاري على ورقة. وجاءت فكرة أن أكتب كتابي “فلسطين على طبق” فأنا أحب الكتابة وليس فقط وصفات الطعام وإنما قصص الناس. إنها طريقة رائعة للتعبير عن نفسي.

لكل إنسان رسالة، وربما الفلسطيني تحديدا دائما ما تكون لديه رسالة يحاول إيصالها للعالم، ما هي رسالتك؟

لدي الكثير من الرسائل، لكن رسالتي الأساسية هي أنني لا أريد أن يتم الاستيلاء على أكلاتنا وتصنيفها على أنها إسرائيلية بعد الآن، أريد أن يتم الاعتراف بها كما هي تاريخيا. أتفهم أن فلسطين قبل الاحتلال كان يعيش فيها اليهود والفلسطينيون بسلام وكانوا يأكلون نفس الطعام لكن هذا الطعام عربي فلسطيني وهذا هو جزء من القصة التي أريد مشاركتها مع الناس. علينا الاعتراف من أين جاءت هذه الأشياء. أريد المحافظة على تاريخنا وقصصنا وعاداتنا وذكرياتنا، ووصفاتنا. أريد أن أضفي الطابع الإنساني على قصتنا، وإسماع صوتنا نحن بدلا من أن يتحدث باسمنا غيرنا وهو ما أراه كثيرا هنا في بريطانيا خصوصا في الإعلام، حيث يطلبون من شيف إيراني أو تركي او إسرائيلي التحدث عن مطبخنا وليس أنا. إنه أمر محبط لأننا نحن من نعرف أكثر عنا، لذا فأنا آمل أن يُسمع صوتنا بشكل أعلى من خلال الأكل، الأزياء، الموسيقى والفن.. نظهر أننا فلسطينيين أولا ثم طباخين أو فنانين أو مصممي أزياء. هذا ما أحبه الآن حقا في هذا الجيل أنه يؤكد على هويته الفلسطينية أولا ثم أي شيء آخر. حان الوقت لتغيير طريقة سرد قصتنا الموجودة في الإعلام منذ سنوات. علينا إظهار الحقيقة الموجودة على الأرض. نحن الفلسطينيون الذي يعيشون خارج فلسطين.. كيف هي حياتنا وما رأيناه في عائلاتنا والأذى الذي لحق بآبائنا وأجدادنا.. أمور كثيرة لم يتم إخبارها، علينا تقديم قصتنا بطرق مختلفة.

واجهت صعوبات عندما أردت نشر كتابك الأول “فلسطين على طبق” وخصوصا فيما يتعلق بالعنوان، أخبرينا عن ذلك.

أحبت دور النشر كتابي لكن بعضهم طلبوا تغيير العنوان “فلسطين على طبق”، وأنا أصريت على موقفي بأنني لن أغير اسم الكتاب. وأخبرت وكيلة أعمالي بأن هذا ليس مجرد عمل بالنسبة لي.. إنه شغف. أنا هنا لأسجل موقفا، وإذا طلب مني الناشر تغيير الكتاب فأنا لن أختاره. قالت لي إن لديهم وجهة نظر، فأين فلسطين على الخريطة؟ كيف يمكننا الحديث عن فلسطين دون الحديث عن إسرائيل؟ إنه موضوع صعب، ومجرد طرح هذه الأسئلة يؤكد أهمية طرح هذا الكتاب تحت هذا الاسم. وهو ما جعلني أكثر تصميما. وهنا رتبت وكيلتي لقاء مع ناشرة جديدة، أحبت الكتاب لكنها أيضا كانت مترددة بعض الشيء بخصوص العنوان إلا أنها كانت منفتحة للحديث عن الموضوع، وقمت بإرسال مقاطع فيديو لها لم يسبق أن شاهدتها من قبل بسبب الصورة التي يظهرها الإعلام عن الفلسطينيين. قرأت عن جدتي وعن أمي والأكلات والقصص التي كان بعضها طريفا.. مر أكثر من عام وبدأت أشعر بالإحباط بأن لا أحد يريد أن ينشر كتاب طبخ فلسطيني.. بعد ذلك اتصلت بي وقالت لي لننشر الكتاب. وحقق نجاحا مذهلا.

كنت فخورة جدا بهذا الكتاب، فخورة بتقديمه لوالدي ووالدتي، أن يريا اسميهما في الكتاب.. أسماء جداتي وعماتي.. أعاد الكتاب الكل إلى الحياة فهو لا يتحدث فقط عن عائلتي أنا، فعائلتي هي عائلة كل شخص.

هل تعتبرين ما تقومين به نوعا من المقاومة؟

نعم، بقولي لا يعني أنني قاومت، يعني أنني فوّتُ عليهم هذه الفرصة لقمع شيء مهم جدا بالنسبة لي، فهذا لم يكن مجرد كتاب طبخ، هو عن وصفات جدتيّ اللتين واحدة منهما من صفد والأخرى من اللد، هو ليس عن الأكل الشرق أوسطي، هو من مكان محدد جدا وأنا أردت أن أكرّم ذلك. آلمني جدا كم كان صعبا موضوع العنوان ولكنني سعيدة للغاية أنني تمسكت بموقفي.

بعد النجاح الكبير الذي حققه كتاب “فلسطين على طبق” جاء الكتاب الثاني “بلدي” ما الذي يميزه؟

بعد عام من نشر “فلسطين على طبق، اتصلت بي ناشرتي جاكي وقالت لي أريد أن أنشر لك كتابا آخر قبل أن أتقاعد، أثر ذلك في كثيرا لأنها شخصية مرموقة في هذا المجال وأرادت أن يكون اسمها على الكتاب. وهنا جاء “بلدي” الذي يحتوي على 80 وصفة. في هذا الكتاب استخدمت انستغرام حيث راسلت بعض الأشخاص وقلت لهم إنني بصدد إصدار كتاب جديد، “أرسلوا لي مقترحاتكم بخصوص وصفات”. ومن خلال الاقتراحات التي وصلتني تمكنت من إكمال كتابة القائمة التي أطلعت والدتي عليها وبدأنا العمل. احتوى الكتاب على وصفات أخرى مثل “القدرة” من غزة، من أم صديقي خالد، ووصفة التبولة من عائلة صديقتي هند من الخليل…. وهكذا من خلال رسائل الجميع واقتراحاتهم تمكننا من إتمام الكتاب. تضمن صورا من فلسطين، وقلت لماذا علينا أن نرسل مصورا إنكليزيا إلى فلسطين لالتقاط الصور من منظور شخص غربي بدلا من أن يصورها فلسطينيون بأنفسهم! وبالفعل طلبت من أشخاص أن يرسلوا لي صورا من فلسطين. كانوا أناسا عاديين وليسوا مصورين محترفين، وصلني أكثر من 10 آلاف صورة وكان علينا اختيار 100 صورة. وهكذا أبصر كتاب “بلدي” النور.. من خلال المجتمع، انستغرام، من فلسطينيين يعيشون في فلسطين. أردته أن يكون كذلك مع أنه كان صعبا ولكن النتيجة كانت رائعة، وهذا ما يجعله مختلفا.

كيف ساهمت الوسائل التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي في وصولك إلى شريحة أوسع من الناس؟

كان استخدام هذه الوسائل رائعا حقا بالنسبة لي، فمن خلالها جلبت الكثير من العمل لنوادي العشاء supper clubs، والاستشارات، ودروس الطبخ، ومقاطع الفيديو. الآن من خلال تطبيق زووم أعطي دروسا في الطبخ لمجموعة من المشتركين. إنها أداة رائعة في الوصول إلى الناس خاصة في الوقت الحالي ومع قيود التباعد الاجتماعي بسبب جائحة فيروس كورونا. علينا أن نغير طريقة العمل. لقد كان صعبا جدا الانتقال من حالة الانشغال الدائم إلى الفراغ، فمنذ بدء الجائحة توقف كل شيء، نادي العشاء الذي كنت أقيمه بشكل شهري، اللقاءات، كل شيء. هذه الوسائل التكنولوجية ساعدتني في التغلب على ذلك والإحباط الذي تبعه. قلت لنفسي كيف لم أفكر بهذا الأمر من قبل!.

ماذا بعد؟ هل تحاول جودي تطوير الوصفات الخاصة وعمل منتجات لطرحها في السوق؟

نعم، لكن أخطو خطواتي بثبات وبطء نوعا ما لأنني أريد أن أفعل ذلك بالشكل الصحيح وأن أقدم شيئا وفق المستوى. أتخيل لو تذوقته جدتي ستقول نعم! لدي الفكرة والاسم والتصميم كل شيء تقريبا إلا أنه ما زال بعد الوقت أمام الخطوة التالية من حيث المواد اللازمة، أريد أن أحضرها من فلسطين.. زعتر، زيت، سماق، مفتول، تمر، ملح من البحر الميت. أصدقائي في لندن لديهم شركة “زيتون” وهي شركة صغيرة غير ربحية تديرها نساء ويجلبون كل شيء من فلسطين. وهو أمر صعب جدا إذ من بعد إنتاج هذه المنتجات في فلسطين عليها المرور من خلال إسرائيل ومن ثم من مكان آخر. الإسرائيليون يجعلون الأمر صعبا جدا. لكن هذه الشركة الصغيرة مستمرة في عملها وأتعامل معهم في كل شيء وتحدثنا عن التعاون معا إلا أنني أريد أن أقوم بشيء مختلف تماما. سيبصر مشروعي النور عندما يصبح جاهزا.

المصدر : القدس العربي