الرئيسية » تقارير نسوية » نساء حول العالم »  

القابلات في أفغانستان.. حارسات الأمهات وقائدات المجتمع الصامتات
17 حزيران 2020

 

رام الله-نساء FM-تعد أفغانستان واحدة من الدول التي تشهد أعلى معدلات وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة. ولذلك، فإن الحاجة لرعاية متخصصة أمر بالغ الأهمية. ويُعتبر انعدام الأمن أحد أكبر التحديات التي تواجهها كل قابلة وحامل في هذا البلد.

هكذا تلخص الوضعَ زهرةُ كوتشيزاد المشرفة على القابلات في "أطباء بلا حدود" في أفغانستان، وقد شهدت شخصيًا على هذا الواقع الأليم، بحسب مقالة كتبتها ونشرتها على موقع المنظمة الإلكتروني.

وكان جناح الأمومة الذي تديره المنظمة بمستشفى دشت برجي في العاصمة تعرض في 12 مايو/أيار الماضي لهجوم على يد مجهولين، راح ضحيته 24 شخصا، من بينهم القابلة مريم و15 أماً، عشر منهن كن يتلقين رعاية ما بعد الولادة، وقد لقي خمس أمهات حتفهن مع أجنتهن الذين لم يبصروا النور.

وزهرة التي يدفعها شغفها لمساعدة النساء على وضع مواليدهن لرغبتها القوية في خدمة شعبها اختارت خوض غمار العمل في هذا المجال. وما عزز اقتناعها بهذا الاختيار امتهان عدد من النساء في عائلتها هذه المهنة، فبعض عماتها وبنات عماتها يعملن قابلات في مستشفيات مختلفة في كابل، وهن بدورهن اخترن هذه المهنة بسبب رغبتهن في خدمة الآخرين ولا سيما النساء، ولأنهن علمن أن معظم الوفيات أثناء الولادة نتيجة مضاعفات يمكن تفادي حصولها.

شديد الصعوبة

تقول زهرة "عملنا شديد الصعوبة مقارنةً بأي مكان آخر، فنحن نساعد النساء على إنجاب حياة جديدة في هذا البلد في ظل ظروف أكثر قساوة. كل عام، يولد نحو 130 مليون طفلٍ حول العالم، مما يعني أن ملايين النساء يحتجن للمساعدة خلال فترة الحمل وأثناء المخاض. الإنجاب في رأيي يشكل أحد أعظم اللحظات وأكثر المواقف حساسية في حياة المرأة".

ورغم تحسن الوضع بعض الشيء على مدى السنوات الماضية، فإن أفغانستان ما تزال تشهد واحدا من أعلى معدلات وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة في العالم. ولذلك، فإن الحاجة لوجود رعاية متخصصة أمر بغاية الأهمية.

في سويسرا، على سبيل المثال، تموت خمس أمهات مقابل كل 100 ألف مولودٍ يبصر النور. أما في أفغانستان، فيقفز هذا العدد إلى 638 امرأةً تلقى حتفها، ولا يشمل هذا العدد بالطبع الأمهات الـ 15 والأطفال الخمسة الذين لم تتسن لهم فرصة القدوم إلى الدنيا، والذين قتلوا بشكل ممنهج في جناح الأمومة حيث اعتادت أن تعمل زهرة.

الرعب في جناح الأمومة

وتقول المشرفة على القابلات بجناح الأمومة الذي تديره "أطباء بلا حدود" في مستشفى دشت برجي في كابل، حيث وقع الهجوم هناك في 12 مايو/أيار الماضي "كيف لي أن أنسى ذلك اليوم، كان الطقس جميلًا والهواء منعشًا، وشعرت بالسلام يعم كياني ما إن وطأت قدماي أرض المستشفى. بمجرد وصولي، رأيت زميلاتي يعملن، جميعهن متلهفات ومتحمسات لبدء يوم عمل جديد لتقديم الخدمات والرعاية للحوامل".

وتضيف زهرة "صحيح أننا اعتدنا على المآسي اليومية في مجتمعاتنا ولكن ما كانت أي منها لتجعلنا مستعدين بأي طريقة لمواجهة الرعب الذي يتربص بنا وينتظرنا".

ويُعد جناح الأمومة أحد الأماكن القليلة التي تتولى النساء فيها القيادة. دخل الإرهابيون منطقة لا يُسمح فيها حتى للرجال. اقتحموا جناح الولادة مدججين بالأسلحة وراحوا يطلقون النار، فأودوا بحياة الحوامل والأمهات وحديثي الولادة.

لا بد أن قائدهم فخورٌ ومعتزٌ جدًا بهم، لا بد أنهم يحتفلون بالانتصار على جيش من الأطفال البالغين من العمر يوما واحدا والنساء المسلحات بملابس المستشفى فقط، هكذا تقول زهرة.

فمن المُفترض أن يكون المستشفى مساحة محمية، هذا ما ينص عليه القانون الدولي الإنساني. ومع ذلك فإن الهجوم الذي طال جناح الأمومة حيث عملت زهرة ليس حالة استثنائية، فالهجمات على مرافق الرعاية الصحية تحدث مرارًا وتكرارًا هنا. ولكن ما الذي يميز هذا الهجوم عن غيره من الهجمات؟

تجيب زهرة "نحن قائدات من خلف الكواليس في بلادنا، إلى جانب الحوامل اللواتي يلدن مستقبل البلاد ولا بد من توفير الحماية لنا. إن حماية جناح أمومة مثل الذي عملت فيه يعني حماية كل مستقبلنا وحماية القابلات مثل مريم الحبيبة التي قُتلت بغير سبب في وقت كانت تمد يد العون إلى الأمهات اللواتي كن يترقبن وضع مواليدهن".

يوم الاعتداء الذي استمر أربع ساعات على جناح الأمومة في دشت برجي، لم يهاجم الإرهابيون الحوامل والأطفال حديثي الولادة وحسب، بل طال بطشهم أيضًا عقودًا من العمل المتواصل للحد من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة.

وبسبب هذا الهجوم، يستحيل اليوم على نساء المنطقة الغربية من كابل، والتي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة، والقادمات من محافظات بعيدة، الحصول على أي رعاية شاملة للتوليد ولحديثي الولادة.

بعد هذه الواقعة، الخيار الوحيد المتاح أمامهن اليوم هو مستشفى قريب تبلغ طاقته الاستيعابية 50 سريرًا، سبعة منها فقط مخصصة لخدمات الأمومة. ومع ذلك، لا تعرف زهرة ما إذا كانت الحوامل اللواتي يقصدن هذا المستشفى، أو غيره، سيتلقين الرعاية التي يحتجن إليها. هل سيحصلن على المساعدة اللازمة لهن؟ هل سيمتلكن الإمكانات المادية لتسديد نفقات المستشفى؟ هل سينجين من المخاض إذا لم تتسن لهن فرصة دخول المستشفى؟

"أخشى حتى التفكير بالمصائر المحتملة لهؤلاء النساء اللواتي كن سيلجأن إلينا لولا هذا الهجوم المشؤوم" تقول زهرة.

اعتاد جناح الأمومة أن يقدم خدمات عالية الجودة إلى أكثر من ألف و200 أمٍ تضع مولودها في رحابه شهريا. وإذا احتاجت النساء في منطقة دشت برجي للمساعدة في عملية الولادة، فسيقصدن المستشفى ذا الطاقة الاستيعابية الصغيرة، ولكن إذا ظهرت لديهن أي مضاعفات، فسيمتنع هذا المستشفى عن استقبالهن حيث لا يضم غرفة عمليات للحالات الطارئة. ومع جائحة كوفيد-19، فإن الخيارات المتاحة أمام اللواتي يعانين من مضاعفات أو احتياجات خاصة أضحت محدودة بشدة، وأكثر بعدًا.

خدمات مجانية

ومعظم المريضات اللواتي يأتين إلى مستشفى دشت برجي من مجتمع الهزارة ولا يملكن الموارد الاقتصادية لدفع تكاليف علاجهن في أماكن أخرى، وتصل بعضهن المستشفى بظروف شديدة.

وتستذكر زهرة مريضة وصلت أول مرة خائرة القوى وبالكاد تستطيع المشي وبدا وجهها شاحبًا للغاية، من منطقة تقع في ضواحي العاصمة. فحصتها وأدركت أنها مصابة بفقر دم شديد. لم تتوفر خدمات رعاية ما قبل الولادة بالمنطقة التي كانت تقيم فيها، بسبب افتقارها للإمكانيات لشراء الطعام، لم تكن تأكل بشكل جيد، وعندما سألتها عن آخر مرة تناولت فيها الطعام أجابت "أمس".

"على وقع هذه الكلمات تحطم قلبي، ولكنني شعرت بالسعادة فيما بعد لرؤيتها تتعافى وتضع طفلًا سليما" تقول زهرة.

وقصتها ما هي إلا واحدة من آلاف القصص التي تصف واقع حياة المريضات في منطقة دشت برجي، حيث تأتي مريضات إلى المستشفى وبعضهن من دون فلس واحد في جيبهن للعودة إلى المنزل.

كانت المريضات والمجتمع سعداء للغاية بالاعتماد على جناح الولادة الذي يقدم الخدمات مجانا، خصوصا وأن المستشفيات الحكومية تتقاضى بعض المال مقابل خدماتها. ويحزن زهرة افتقار شعبها إلى نظام صحي جيد، ونقص الموارد، وانعدام الأمن، كما أن مراكز الرعاية الصحية في كابل تعمل وهي تعاني من نقص في بعض طاقاتها بسبب إصابة عدد من عامليها بمرض كوفيد-19.

وتختتم "لقد تأذيت. تغيرت حياتي ولكنني ما زلت ملتزمةً بمواصلة عملي. أعرف أن نساء شعبي بحاجة إلينا ويتوقعن مني النهوض بعد ما حصل بدعم من "أطباء بلا حدود". لن أنس المريضات اللواتي يحتجن للمساعدة والرعاية الجيدة، وقد أصبحن صديقاتنا ويبتهلن لأجلنا. لا نريد أن نخيب آمالهن، وبالأخص الآن، مع معاناة الكثيرين والكثيرات من جائحة كوفيد-19″.

المصدر : مواقع إلكترونية