الرئيسية » تقارير نسوية » نساء في العالم العربي »  

شابتان جزائريتان تتخطيان الصحراء وتلهمان النساء عالمية التكنولوجيا
01 كانون الأول 2019

 

رام الله-نساءFM- قبل تسع سنوات تماما، انتقلت سلمى بكوش من مدينتها الصحراوية حاسي مسعود جنوب الجزائر إلى العاصمة لدراسة علوم الحاسوب في المدرسة العليا للإعلام الآلي، بعد حصولها على شهادة البكالوريا.

وقبلها كانت فاطمة الزهراء بن حميدة قد انتقلت من المدينة نفسها للدراسة في العاصمة، وأصبحت باحثة وأستاذة متخصصة بأنظمة الحاسوب في المدرسة نفسها، لتبدأ علاقة تعارف فصداقة بين شابتين اقتحمتا عالم المعلوماتية ومثلتا الجزائر في أشهر فعاليات مؤسسات وادي السيليكون بالولايات المتحدة، وأصبحتا ملهمتين للجزائريات عامة والصحراويات خاصة.

صداقة طالبة وأستاذة من الصحراء

بعد نيل البكالوريا (الثانوية العامة)، عملت سلمى بنصيحة زميلها والتحقت بالمدرسة العليا للإعلام الآلي لدراسة علوم الحاسوب على بعد أكثر من 700 كلم من مدينتها.

تقول سلمى للجزيرة نت "عانيت في المدرسة من الرياضيات التجريدية والمواد التقنية، غير أنني تمكنت من اقتحام عالم المؤسسة من خلال مشاركتي في التربصات (الدورات) والتحاقي بنواديها، فعملت على المشاريع السنوية وتعلمت كتابة التقارير وطرق التواصل والإلقاء والعمل الجماعي والعمل تحت الضغط وحل المشكلات بأقل وقت وتكلفة".

سنة 2012، بدأت صداقة سلمى بكوش التي كانت طالبة وفاطمة بن حميدة التي كانت أستاذة وباحثة في مدرستها، بعد لقاء حدث صدفة في مدينتهما حاسي مسعود أثناء العطلة الجامعية.

تقول سلمى عن علاقتهما: "اهتمامنا المشترك بالتطوع جعلنا نلتقي أكثر، وبعدها جعلتها مرشدتي (My Mentor)"، أما فاطمة فتقول عن سلمى "لطالما تمنيت العمل مع سلمى لما تملكه من طاقة ورغبة في مساعدة أهل المنطقة".

تخطي حدود الوطن لدعم النساء

كل ما سبق حدث قبل اكتشاف سلمى لبرنامج "تيك ومن" (TechWomen) الذي غير حياتها وأدخلها عالم ريادة الأعمال التكنولوجية، وجعلها تتخطى حدود الوطن وليس الصحراء فقط، رفقة فاطمة الزهراء بن حميدة.

البرنامج مخصص لتطوير النساء في مجالات العلوم التكنولوجيا والهندسة والرياضيات التي ما يزال الرجال يسيطرون عليها إلى اليوم، ويعمل على تطوير ثقة المرأة بنفسها وتنمية قدراتها في مجال القيادة لتتقدم على الصعيد الشخصي والمهني.

تروي سلمى للجزيرة نت رحلتها الملهمة قائلة "التقيت صدفة بزميلتي برشا بيا، فحدثتني عن التحاقها بالبرنامج عام 2014، بعدها بسنة كنا استضفنا المتحدثة حنان خضر من الأردن لتحدثنا عن دور "تيك ومن" في تحويل مسارها المهني من موظفة إلى رائدة أعمال في مجال البرمجة للأطفال فألهمتني".

عام 2016 قدمت سلمى أول طلب للالتحاق بالبرنامج ورُفض لنقص الخبرة المطلوبة، وعام 2017 تابعت مشاركة صديقتها فاطمة بن حميدة فيه، وعملت على تطوير مهاراتها حتى حققت هدفها بالالتحاق بالبرنامج عام 2018.

 

تقول فاطمة بن حميدة إن التحاقها بالبرنامج كان بتحفيز من زوجها الذي يدرك محتوى البرنامج وأهدافه أكثر منها، وتوضح "سجلت في البرنامج للاطلاع على أساليب الإدارة، والتواصل، والعمل على تطوير الذات والمهارات العملية والنفسية. وبعد خمسة أسابيع من التدريب المكثف في قلب كبرى الشركات الأكثر إلهاما في التكنولوجيا وريادة الأعمال، اقترحت مشروعا خيريا في الجزائر".

وبينت أن البرنامج يهدف لتعزيز المهارات المكتسبة وإيصالها للفتيات والنساء القادمات من مناطق معزولة، لمعرفة أين تتمحور الفرص في المدن الكبيرة فقط. وقد فازت بمنحة تشجيعية لبدء مشاريع خيرية مقدمة من سفارة الولايات المتحدة الأميركية في الجزائر، بداية من يناير/كانون الثاني 2020.

ويعتمد البرنامج على التدريب بالتوجيه (Mentoring)، وكل الموجهين (Mentors) في البرنامج متطوعون في المجال المهني والثقافي، وهو ما تجده سلمى الأسلوب الأنسب للتعلم لأنه لا يقوم على التلقين، كما يمنح البرنامج تأشيرة لدخول كبرى مؤسسات وادي السيليكون وهو حلم كان يراودها.

تمكنت سلمى بفضل البرنامج من زيارة شركتي لينكدان وفيسبوك وقضاء ثلاثة أسابيع تدريب في تويتر، إضافة للتبادل الثقافي بين المشاركات، والميزة الخاصة للبرنامج أن رحلة التعلم لا تتوقف وتظل المتخرجات يتلقين الدروس والفرص منه.

مشاريع لخدمة الجزائريات

بعد البرنامج، اتفقت سلمى وفاطمة على العمل معا لخدمة مجتمعهما، فأسستا رفقة خريجات البرنامج ناديا جزائريا باسم "تيك غيرلز" (TechGirls) لتمثيل الجزائر في الفعالية الأضخم لمايكروسوفت (Micorosoft Ignite) وتحفيز الفتيات على الانخراط فيه، ومشروع (قافلة هي) لتنمية قدرات الفتيات على تطوير مسارهن المهني، وتنطلق من المدن الجنوبية للوصول للنساء في الصحراء.

ولإلهام غيرها، تعمل سلمى على توثيق تجاربها المحلية والدولية على منصات التواصل الاجتماعي، وتعرض ملخصات محاضرات التحقت بها ولقاءاتها مع أشخاص ملهمين، وتشارك الفرص المتاحة لمساعدة النساء والفتيات على تطوير أنفسهن؛ وتقول "أحاول قدر الإمكان أن أكون حاضرة بشكل مكثف في مدينة حاسي مسعود وولاية ورقلة لأشارك تجربتي".

أما فاطمة فتقول للجزيرة نت "بعد مشاركتي في تيك ومن، بدأت أشارك بكثافة محاضرات في عدة مدن جزائرية لتحفيز الشباب، مثل: مخيم الإعلام الاجتماعي (Social Media Camp) في مدينة باتنة واليوم العالمي للمرأة (International Women Day) في تيبازة، وعلى الصعيد العالمي شاركت لسنتين على التوالي في (Microsoft Ignite USA) لعرض مشوار امرأة جزائرية بمجال التكنولوجيا".

هكذا تتغلب النساء على نقص الفرص

أول تحد واجهته سلمى بعد تخرجها هو العودة للعيش في مدينة هادئة محدودة الفرص كحاسي مسعود، بعدما قضت خمس سنوات في مدينة صاخبة ومليئة بالفرص كالجزائر العاصمة، فبحثت عن جمعيات محلية تقدم فيها أنشطتها مثل جمعية آفاق الثقافية العلمية التي دعمت مشاريعها منذ 2016.

وتضيف سلمي "من تواصلي مع النساء تعلمت أن الاستماع إليهن دون مقاطعتهن أو محاكمتهن مسبقا هو كل ما يحتجن إليه، ولهذا أسعى لنشر ثقافة التوجيه في المجتمع الجزائري".

أما بالنسبة لفاطمة فالنجاح ينبع من الإيمان بالتفوق، والرغبة في التعلم وتجاهل السلبيات، فلكل امرأة الحق والواجب في بناء الذات وهذا لا ينتج إلا بالبحث المستمر، دون الاكتراث للنقد الناتج عن الأعراف الخاطئة التي تدفع للتردد في القيام بالخطوة الأولى.

تقول فاطمة "في المناطق الداخلية والصحراوية تكون الفرص قليلة، لكن يمكن التواصل عبر الإنترنت، واختيار البرامج القيّمة على التلفاز، والتسجيل بمنصات التعلم الإلكتروني، وعدم التردد في الترشح لبرامج عالمية مثل تيك ومن؛ والفرص التي تفتح أبوابا عدة لفرص أخرى أكثر أهمية".

المصدر : الجزيرة