الرئيسية » اقتصاد »  

الصناعات المحلية أثبتت جودتها وجدارتها التنافسية في المنطقة والعالم
03 تشرين الثاني 2019

 

*بقلم المُستثمر الفلسطيني زاهي خوري

رام الله-نساء FM- إنّ التعامل مع الظرف الاقتصادي الصعب الذي نمرّ به، يتطلّب العمل بشراكة كاملة ما بين كافة القطاعات من أجل تعزيز صمود الاقتصاد الوطني ومواجهة التحديات، وضمان استدامة المبادرات الاستثمارية لا سيما الاستثمارات الصناعية التي بدورها ستكفل الاستدامة في خلق فرص العمل، وما يتطلبه ذلك من البناء على الميزات التي تتمتع بها الصناعة الفلسطينية من حيث جودة المنتج المحلي والكفاءات الفلسطينية، ورسم السياسات والخطط الوطنية من أجل دعم وتشجيع الاستثمار الصناعي

ونحن في مؤسسات القطاع الخاص بشكل عام، والقطاع الصناعي بشكل خاص، حريصون كل الحرص على تعزيز الشراكة مع كافة المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية، للعمل من أجل استدامة الاستثمارات الصناعية والإنتاجية، وعدم اقتصار العمل على تعزيز صمود المشاريع الاقتصادية، فالمرحلة الراهنة تطلب رؤية شاملة تكفل استدامة الصناعات وتنمية الإنتاجية وبالتالي ضمان استدامة توفير فرص العمل.

ولقد خاض القطاع الخاص تجارب استثمارية محفوفة بالمخاطر في القطاعات الصناعية والزراعية والإنتاجية المختلفة، مُثبتاً أن تخطي هذه الظروف ليس مستحيلاً عبر التزامه بالاستثمار في الأرض والإنسان والموارد المُتاحة، والإصرار على الثبات ومواصلة الاستثمار رغم التحديات. إلا أن الظرف الحالي المعقّد يُلقي بثقله على القطاع الصناعي والذي تمكّن من المساهمة في الناتج المحلي بنسبة تجاوزت 13% عام 2018 حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، كما ارتفعت القيمة المضافة لأنشطة الصناعة إلى 7,2% مقارنة مع عام 2017 وذلك بالرغم من التحديات الاقتصادية

إن المطّلع على القطاع الصناعي وإمكاناته وإنجازاته لاسيّما من حيث النهوض بجودة المنتج وتعزيز القدرة التنافسية في السوق المحلي وفي أسواق خارجية، سيُدرك أن هذه الأرقام مُنخفضة بالمقارنة مع ما يتمتع به هذا القطاع من موارد مالية وطبيعية وبشرية حيث وفرة أعداد المتعلمين والخبراء المختصين في مجالات الصناعة المختلفة. وفي هذا السياق، كان الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية قد قدّم رزمة من التوصيات لدعم وتشجيع الاستثمار في الصناعات الوطنية، وتمثّلت بعض من هذه التوصيات في وضع وتنفيذ القوانين والسياسات والمحفزات الداعمة للمنتج الوطني والصناعة المحلية من أجل زيادة حصة المنتج الفلسطيني في السوق المحلي، لاسيّما من خلال إعفاء المنتج المحلي من بعض الضرائب والرسوم ولو لفترات محدّدة، وتعزيز جهود الضابطة الجمركية لمحاربة ظاهرة البضائع المهربة وغير المطابقة للمواصفات والمقاييس الفلسطينية، وإطلاق الحملات التوعوية لدعم المنتج الوطني، هذا إلى جانب جملة من الاقتراحات والتوصيات لدعم المنتج الوطني الذي حقق الميزة التنافسية على مستوى المنطقة والعالم.

ويمثّل القطاع الصناعي أحد المفاتيح الرئيسية لمواجهة التحديات الاقتصادية كونه يعزّز القدرة الإنتاجية الذاتية، ويخلق آلاف فرص العمل المستدامة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والتي وصلت حسب بيانات الربع الثاني من العام الحالي إلى 26%. ويحتل القطاع الصناعي المركز الثالث في تشغيل الأيدي العاملة حيث كان يوظف أكثر من 103 ألف عامل في العام الماضي، وهو لا يزال قطاعاً غنياً بالفرص، ويحظى بالموارد المحلية والجودة والكفاءات الفلسطينية التي برزت على مستوى الشرق الأوسط، ناهيك عن قدرته على تلبية احتياجات السوق المحلي من عديد المنتجات والسلع بجودة عالمية تنافس المنتجات والبضائع المستوردة، بل إن القطاعات الصناعية المحلية نجحت في اختراق أسواق عربية ودولية، ورفعت اسم وسمعة المنتج الفلسطيني محلياً ودولياً، مثل قطاع الحجر والرخام، والألبان والمنتجات الغذائية، والخشب والأثاث، والتمر، وحتى صناعة الجلد والأحذية التي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وغيرها العديد من الصناعات المحلية التي تتطلب الكثير من الجهود والدعم لتتمكن من مواصلة النمو والازدهار.

ولم ننأى في شركة المشروبات الوطنية بأنفسنا عن هذا التوجه والعمل الوطني الاقتصادي، فمنذ اليوم الأول للتأسيس، كانت رؤيتنا مستمدة من آمال وطموحات أبناء شعبنا، منسجمة مع رؤية القيادة الفلسطينية والحكومات المتعاقبة، ولا نزال ملتزمين بمواصلة العمل بشراكة ووحدوية إلى جانب الحكومة الفلسطينية والاتحاد العام للصناعات الفلسطينية والأخوة الشركاء في القطاع الخاص والرياديين، من أجل تعزيز الصناعة الوطنية، وبث روح الحداثة في هذا القطاع ليظل قادراً على مواكبة التقدم الصناعي وتطوير الجودة والميزة التنافسية وتعزيز اسم المنتج الفلسطيني.

وكانت تجربتنا في المشروبات الوطنية كوكاكولا/كابي تجربة فريدة كشركة رائدة في صناعة المشروبات والأغذية على مستوى الوطن، لاسيما من حيث التوسع والانتشار، وكمية الإنتاج، وجودة المنتج، والحصة السوقية، وتنوع الخيارات، وحجم تشغيل الأيدي العاملة. وتواصل الشركة مساهمتها في قيادة نمو الصناعات الغذائية والمشروبات، حيث تشكل المنتجات الغذائية والمشروبات ما نسبته 35% من سلة المستهلك الفلسطيني. وتُعد تجربة المشروبات الوطنية خير دليل على قدرة الاستثمار الصناعي على الاستدامة في مواجهة التحديات، وإثبات جدارة وتنافسية الصناعة الوطنية، والقدرة على خلق فرص العمل، حيث وفرت المشروبات الوطنية آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لتكون بذلك من كبار المشغلين في فلسطين، وتميزت الشركة بالتزامها بمعايير الجودة العالمية والقدرة التسويقية، إلى جانب مساهمتها في تكريس اسم المنتج الفلسطيني من حيث جودته وسمعته على مستوى العالم، في زمن أصبح المنتج خير سفير للبلد الأم وتكوين سمعة الدول والاقتصادات.

كما عمدت الشركة خلال أكثر من عقدين، إلى الانتشار في تشييد مصانعها في عدد من محافظات الوطن، والاستثمار في الموارد المحلية المتاحة في تلك المناطق الجغرافية من أرض ومياه، إضافةً إلى الاستثمار في الموارد البشرية وتوظيف أبناء تلك المناطق انطلاقاً من إيمان الشركة بالكفاءات التي يتمتع بها أبناء شعبنا، واستغلال قنوات التسويق والأسواق المحلية، الأمر الذي ينسجم مع رؤية الحكومة الفلسطينية في تطبيق التنمية العنقودية والتي ستسهم في تعزيز قدرة وإنتاجية الصناعات المحلية، وتشجيع المنتج الوطني كبديل للمنتجات المستوردة، وكعامل مركّز لبلوغ غايات الاستقلال الاقتصادي والتنمية المستدامة.

وقد وضعت المشروبات الوطنية رؤيتها الاستثمارية الخاصة، من حيث تعميم الجدوى الاستثمارية جغرافياً على مستوى الوطن، والاستثمار في القدرات الفنية والتسويقية الوطنية، مثل استثمارها في منطقة كفر زيباد والتي تقع ضمن العنقود الزراعي في محافظة طولكرم، حيث تسعى الشركة إلى تعزيز استثمارها في منتجات الألبان والحليب بعد نيلها رخصة إنتاج منتجات الشركة الفرنسية "كانديا" والتي لاقت إقبالاً لافتاً من المستهلك الفلسطيني، وهي تُعد الأولى على مستوى أوروبا في مجال إنتاج وتصدير منتجات الألبان والأجبان، الأمر الذي سيسهم في إحياء قطاع المواشي والأعلاف، هذا بالإضافة إلى مصنع عصير "كابي" والمياه المعدنية "أروى"، ما ساهم في خلق المزيد من فرص العمل لأبناء المنطقة. كذلك شيدت الشركة مصنع "كوكاكولا" في المنطقة الصناعية بقطاع غزة والذي يواجه أعلى نسبة بطالة في العالم، إلى جانب مصنع المياه المعدنية "جريكو" في أريحا ومصنع "كوكاكولا" في رام الله

ونفتخر في المشروبات الوطنية بأن تكون شركتنا من أولى المساهمين في رفع اسم الصناعة الفلسطينية من خلال تميزها في معايير الجودة وفق المواصفات والمقاييس الفلسطينية والمعايير الدولية لتنافس بذلك المنتجات العالمية، وجلب المعرفة التكنولوجية والتقنيات الصناعية العالمية، مما مكنّنا أيضاً من جذب شركات عالمية للاستثمار في السوق المحلي الفلسطيني، واستحقاق شركتنا للعديد من جوائز الجودة على مستوى الوطن، كما تربعت على رأس قائمة من 92 شركة تعبئة تابعة لشركة كوكاكولا العالمية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو برهان آخر على أن الصناعة الفلسطينية المتسلّحة بإرادة القائمين عليها والعاملين فيها وبالعقول الفلسطينية قادرة على المنافسة على مستوى أسواق المنطقة والعالم.

ولم تقتصر هذه الجهود في الشركة على النهوض بمعايير التميّز والجودة، وإنما التفتت إلى معايير حماية البيئة والبحث عن مصادر الطاقة البديلة، وهو ما يتوافق أيضاً مع رؤية الحكومة الفلسطينية للاعتماد على الطاقة المتجددة، فشيدت المشروبات الوطنية الخلايا الضوئية في عدد من مصانعها لتكون بديلاً وطنياً عن استيراد الكهرباء من مصادر أخرى، وبما يسهم في تخفيض الفاتورة الوطنية للكهرباء من جهة، ومن جهة ثانية في تقليل نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الملوّث للجو، وهو ما يتماشى مع أهداف منظمات البيئة الدولية للحد من التلوث البيئي.   

تجربة المشروبات الوطنية هي واحدة من نماذج الاستثمارات الوطنية الصناعية العديدة التي رسخت اسم فلسطين كعلامة تجارية في المنطقة والعالم، وقد أظهرت العديد من الدراسات الوطنية قدرة الصناعات الفلسطينية على تحقيق النمو والنهوض بمعايير الجودة والميزة التنافسية. وحسب سلسلة دراسات متخصصة تناولت عدة قطاعات صناعية، أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" خلال الفترة 2018-2019، والتي جاءت بعنوان "تطوير تنافسية وزيادة حصة المنتج الوطني"، كان لافتاً حجم النمو الذي حققته عدة قطاعات صناعية كالأثاث والأدوية والصناعات الغذائية وغيرها من الصناعات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أوردت هذه الدراسات أن متوسط مساهمة قطاع الصناعات الغذائية تجاوز 22% من إجمالي إنتاج الصناعات التحويلية في فلسطين خلال الفترة 2010-2016. ونما إنتاج الصناعات الغذائية في الفترة 2010 -2017 بمعدل نمو سنوي تجاوز 5%، مشغلاً ما نسبته 5,18% من إجمالي الأيدي العاملة في القطاع الصناعي لعام 2017، ومتربعاً في المرتبة الأولى بين الصناعات الإنتاجية من حيث تشغيل الأيدي العاملة.

وقد يسهم هذا النمو الحاصل في مؤشرات القطاع الصناعي والفرص الاستثمارية الوفيرة؛ في تحفيز المستثمر الفلسطيني في الوطن والشتات على الاستثمار في أرض الوطن، وتوجيهه إلى فرص الاستثمار، ولا شك أن توجه الحكومة إلى تركيز العمل نحو التنمية العنقودية سيسهم في إعادة إنعاش بعض الصناعات التي تراجعت بفعل عوامل محلية وخارجية، لكن وحتى نضمن جذب المستثمرين إلى أرض الواقع، وحتى تتمكن الأنشطة الصناعية والإنتاجية من الاستمرار وخلق الآلاف من فرص العمل في ظل تزايد التحديات؛ فقد بات من الضروري اتخاذ خطوات وإجراءات سريعة لتشجيع الاستثمار الصناعي، وتمكينه من النمو والاستدامة

لذا أدعو الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص، وكافة الشركاء، إلى ضرورة العمل بشراكة متكاملة، فنحن في سباق مع الزمن، والمرحلة الراهنة تتطلب أن نكثّف الجهود نحو توفير مقومات تشجيع الاستثمار الصناعي بالتوازي مع رؤية الاقتصاد العنقودي والرقمي، ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة وإتاحة ولوج التكنولوجيا إلى كافة مجالات الإنتاج والتصنيع، وتمكين القطاع الصناعي من النمو وخلق فرص عمل مُستدامة لمواجهة مشكلة البطالة، وتفعيل المساءلة والمحاسبة ضد من يفرضون منافسة غير وطنية وغير شريفة ويضربون الصناعة المحلية عبر تهريب البضائع، والنهوض بمعايير الجودة والقدرة التنافسية للمنتج المحلي من أجل تعزيز حصته السوقية وتقليل الاعتماد على الواردات، وتكريس شعار "صُنع في فلسطين" في كل خطوة نخطوها على أرض الوطن وفي العالم، ليكون هذا الشعار بوصلتنا نحو نمو واستدامة الصناعة الوطنية والتي ستغذي بدورها اقتصادنا الوطني ليكون قادراً على الاستدامة في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وليكون مسانداً لشعبنا الفلسطيني في صموده على أرضه.