الرئيسية » تقارير نسوية »  

مُلاءة سرير ليلة الزفاف: تقاليد الزواج القديمة لا تزال تطارد المرأة العصرية
16 حزيران 2019
 

نساءFM : تتذكر إلميرا (ليس اسمها الحقيقي): "عندما بدأ يخلع ملابسه أمامي، عقب حفل الزفاف.. كنت فزعة".

"وباءت بالفشل كل محاولات تهدئتي لنفسي وإقناعها بأن ذلك كان يجب أن يحدث بعد الزواج. وكان كل ما هداني إليه تفكيري ساعتها هو أنني أيضا يجب أن أخلع ملابسي".

كانت إلميرا، 27 عاما، قد أنهت لتوّها دراستها الجامعية، وبدأت العمل مترجمة. وكان زوجها من اختيار أبويها. وقد وافقت على الزواج "إرضاء لأمها".

وتتابع قائلة: "كان جارنا. كنا مختلفين في كل شيء؛ لم يكن متعلما، لم يكن بيننا شيء مشترك".

"قدمني إليه إخوتي. وأخبروني بأنه رجل طيب، وكانت أمي سعيدة بـأنني سأتزوج جارا ولن أبتعد عنها وستقف على مجريات حياتي".

وكثيرا ما أخبرت إلميرا والدتها بـأنها لا ترغب، بعد، في تأسيس أسرة. وأخبرت أمها إخوتها وأهلها، الذين شرعوا في الضغط عليها، والشكوك تساورهم في عذريتها. لكن الحقيقة هي أن المرة الأولى التي مارست فيها إلميرا الجنس كانت في ليلة زفافها.

 

وتوضح إلميرا أن زوجها، بعد أن علم ذلك، تجاهل مشاعرها، واحترامها لنفسها، بشكل تام. وعندما اعتلاها لممارسة الجنس معها، وبدأ رأسها يرتطم في خزانة الملابس، سمعت طرقة على الباب وصوتا نسائيا من الحجرة المجاورة يقول: "الهدوء، يا من هناك! ما هذه الوقاحة!".

 

وخلف الباب كانت تقف أم إلميرا وخالتها وأم عريسها، وقريبة أخرى من بعيد (وهي ذاتها المرأة التي دقت على الباب وطالبت بالهدوء).

وجود الجميع أمر تقليدي ضروري للشهادة على الدخول وإتمام الزواج "جسديا"، فضلا عن الشهادة على عذرية العروس.

 

تتذكر إلميرا "يمكن سماع كل همسة. كنت أرتجف من الألم والخجل، وكنت أتساءل بيني وبين نفسي 'أهذا هو الزواج؟'"

وكانت هذه القريبة من بعيد تضطلع بمهام "إنجي"، وهي امرأة متزوجة تصحب العروسين الجديدين إلى منزلهما عقب الزفاف، وتجلس طوال الليل إلى جوار غرفة النوم.

ومن إحدى مهام "إنجي" هذه تقديم المشورة؛ انطلاقا من فكرة أن العروس عديمة الخبرة، في المسائل الجنسية يمكن أن تفرّ من غرفة النوم طلبا للنصيحة من ذوي الخبرة من السيدات الكبار.

ومن مسؤوليات "إنجي" الأخرى أن تأخذ مُلاءة السرير بعد ليلة الزفاف.

الغموض يكتنف ليلة الزفاف

في منطقة القوقاز، يُعد عرض مُلاء السرير على بعض الأقارب، في صباح ليلة "الدخلة" تقليدا شائعا. فإظهار بقع الدم لهم هو دليل قاطع على إتمام الزواج.

ويتلقى بعدها العريس والعروسة التهنئة من أسرتيهما. وبهذه الخطوة، يعتبر الزواج مكتملا.

وتقول شاخلة إسماعيل التي تدرس حقوق المرأة في أذربيجان: "لهذا يكتنف الغموض ليالي الزفاف. فيا ترى ماذا ستظهر مُلاءة السرير في الصباح التالي؟"

وإذا ما لم يكن هناك بقع من الدم، فسُتنبذ المرأة من مجتمعها وتعود إلى والديها كامرأة "معيبة".

بعدها تعتبر المرأة مطلقة، ويصعب عليها، غالبا، الزواج مرة أخرى، بل قد تتعرض أيضا للترهيب أو الإساءة في منزل أسرتها.

تتذكر نيغار أنه في ليلة دخلتها، في منطقة ريفية في أذريبجان أنه "لم يكن، في غرفتها المجاورة، امرأة أو امرأتان للمساعدة أو النصح في وقت الحاجة، بل كانت تعج الغرفة بسكان القرية كلها."

وتقول نيغار: "لم أكن في موقف أكثر إحراجا من هذا. لكنني اعتقدت أن هذا أمر عادي. فالكبار قد يعرفون أكثر".

 

شرحت نيغار كيف أنها وزوجها لم يكن لديهما الرغبة في ممارسة الجنس لأن بإمكانهما الإستماع إلى "الناس يحركون المقاعد ويتنفسون"، خلف باب غرفتهما، وفي الصباح كان عليهما أيضا أن يظهرا مُلاءة السرير.

حدث هذا عندما كانت نيغار تبلغ من العمر 18 عاما، وهي الآن في الثلاثينات من العمر، وتعيش في العاصمة الأذربيجانية،باكو. وتصف نيغار أقاربها بـ "المنحرفين".

لكن ليس كل من يتزوج يبدأ حياة جديدة، وبسبب المجتمع الأبوي، يحدث التغيير ببطء شديد.

يقول ناشطو حقوق الإنسان في أذريبجان إن تقليد مشاهدة ليلة "الدخلة" والإستعراض في الشوارع بعذرية العروس، شائع جدا في المناطق الريفية بالدولة.

وأحيانا تعرض العروس على خبير للتأكد مما إذا كانت عذراء أم لا.

تجريم "الزواج القسري" ما بين مساعدة الضحايا والخوف على الآباء

وتشكك المنظمات الدولية الكبرى في صحة هذا الإجراء المتبع، بشكل كبير. وطالبت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بوضع نهاية لهذا التقليد المتوارث، الذي لا يزال يُمارس في 20 دولة، على الأقل، واصفة إياه بالمهين والمؤلم للنساء.

وأضافت المنظمات الدولية، في بيان، أن العلوم الطبية ليست لديها مفهوم "العذرية"، وأن هذا المفهوم يوجد فقط في الفكر الإجتماعي والثقافي والديني.

الرعب يسيطر أكثر من الخجل أوالعار

تتذكر إلميرا مشاعر الخوف والألم والخجل وتربطها بليلة الدخلة. وتقول: "كنت أشعر بالرعب ولم أنطق بكلمة واحدة. لم أنم طيلة الليل، لكنه لم يبالي ونام نوما هادئا، في نهاية المطاف."

وفي الصباح جاء الشهود إلى غرفة النوم لأخذ مُلاءة السرير.

وتضيف إلميرا: "عند هذه النقطة، لم أعد أبالي. لقد استوعبت كم كان الأمر كله مثيرا للاشتمئزاز. لكن الرعب الذي شاهدته في (تلك الليلة) سيطر على أفكاري أكثر بكثير من الشعور بالخجل أو العار."

وقالت أيضا: "كنت أعرف أن الجميع سيرغب في النظر إلى ملاءة السرير. لكنني كنت في غاية الصدمة لدرجة أنني لا أكاد أتذكر كيف أخذوها."

 

وتقول عالمة النفس إيلادا غورينا إن هذا التقليد يصبح أكثر إيلاما للنساء كل عام.

 

في المناطق المتحضرة من العالم، حيث يتزوج الناس في مراحل متأخرة من حياتهم، وتكون لديهم بعض الخبرات الجنسية، لا يحتاج الصغار إلى أي نصيحة من الأقارب المنتظرين في الغرفة المجاورة الذين يقتصر دورهم على التأكد من عذرية العروس.

وتضيف غورينا: "حتى يومنا هذا، لا تزال نساء كثيرات يعتبرن وجود إنجي أمرا طبيعيا".

إن الألم والصراع النفسي والمعاناة تحدث عندما يكبر الجيل الجديد ويتغير، بطريقة أكثر تقدمية من آبائهم وأمهاتهم."

"التفاحة الحمراء"

هناك تقاليد مشابهة، للكشف عن بقع الدم على مُلاءة السرير بعد ليلة الزفاف، في أرمينيا المجاورة لأذريبجان. وأحيانا في جورجيا وفي عدة جمهوريات روسية في شمال القوقاز.

في أرمينيا، لا يوجد شهود خلف غرفة نوم العروسين. لكن التقليد هناك يسمى بـ "التفاحة الحمراء"، وهو تلميح لوجود بقع الدم على الفراش.

ويُمارس هذا التقليد خارج العاصمة.

تقول نينا كارابيتيانس، إحدى الناشطات في حقوق الإنسان: "كلما بعدت عن العاصمة، كلما زاد 'المريض' مرضا، ويصبح مقاوما أكثر للتغيير لدرجة تصل في بعض المناطق إلى نقطة التعصب."

وتضيف كارابيتيانس أنه أحيانا، يدعى كل الأقارب والجيران، لإثبات أن إبنتهم "نظيفة وعفيفة". و"من ثم يُشارك كل سكان القرية في هذا الطقس المذل."

في المناطق الريفية، تتزوج الفتيات بمجرد بلغوهن الثامنة عشر. وكثيرات منهن ليس لديهن مهارة أو وظيفة. ولو فشلت واحدة من البنات في اختبار "التفاحة الحمراء"، سيتبرأ والداها منها.

"لم نتحدث عن هذه الليلة مطلقا"

حسب كلام خبيرة الطب النفسي غورينا، فإن بعض النساء يتكيف مع هذا التقليد بسهولة، بينما قد تعاني أخريات منه لسنوات.

 

تقول غورينا: "كانت هناك حالة واحدة لم تظهر فيها بقع الدم بعد ليلة الزفاف، ومن ثم اصطحبت، كل أسرة الزوج، العروس إلى طبيب للتأكد من عذريتها.".

 

وتضيف أن مثل هذا الغزو لخصوصية المرأة قد يجعلها تشعر كما لو أنها ضحية عنف تاركة آثارا مؤلمة على المدى البعيد.

وتقول الخبيرة النفسية إن كثيرا من البنات، اللواتي تعرضن لتلك الآثار المؤلمة جراء هذه الليلة، قد يجد صعوبة في التكيف مع الحياة أو العيش بطريقة مختلفة لو طلق أو فقد الأزواج، لأن البنات سيجدن صعوبة في تخطي العائق النفسي لمثل هذه المواقف.

ويعتقد الخبراء، في أرمينيا وأذربيجان، أن هذا التقليد الموروث سيصبح شيئا من الماضي البعيد قريبا، رغم بطئ التغيير. كما أن الأجيال الجديدة ستحارب من أجل حقوقها.

المصدر : BBC