الرئيسية » تقارير نسوية » أخبار المرأة الفلسطينية »  

النكبة في عيون لاجئة.. أُبعد زوجها واعتُقل أبناؤها الخمسة واستشهد حفيداها
19 أيار 2019

 

وكالات- نساء FM:- لا تذكر الحاجة نظمية مزهر البالغة من العمر (85 عاماً)، التي نزحت مع عائلتها من قرية خلدة المدمرة عام 1948 يوم فرح حقيقي منذ ذلك الحين، فحياتها مليئة بمزيد من الظلم والقهر بفعل الاحتلال الإسرائيلي كما تقول، وتضيف أنه لا يمكن لذاكرتها المزدحمة بهذه الأحداث المتتالية أن تتمكن من استعادتها كلها، لكنها سوف تحاول أن تسرد أهم محطاتها.

وذكرت أنه في أعقاب النكبة وصلت أخيراً عائلتها إلى مخيم الدهيشة، وأقامت هناك، وفي العام 1962 تزوجت من ابن عمها حلمي مزهر، فأنجبت منه ثلاثة أبناء، هم: خالد وعبد الحكيم وعبد الحميد، وابنة اسمُها هدى، وسُمي الأربعة على أسماء أبناء جمال عبد الناصر، وفي أواخر عام 1969 اعتقل جنود الاحتلال زوجها بتهمة انتمائه لإحدى خلايا حركة فتح، وبعد عدة شهور من الاعتقال جرى إبعاده إلى الأردن، وبقي هناك حتى عودة طلائع قوى الثورة الفلسطينية في أعقاب توقيع اتفاق أوسلو، حيث كان من بين العائدين.

حديث عن الأبناء والزوج في المنفى

وأثناء وجوده في المنفى، كانت الحاجة نظمية تقوم بزيارته بين الحين والآخر، وفضلت وبالاتفاق معه أن تبقى وأبناؤها داخل الأرض المحتلة كي لا يتمكن الاحتلال من تحقيق غايته وراء قرارات إبعاد المناضلين الفلسطينيين، حيث كان يهدف أيضاً إبعاد كل أفراد عائلته للمنفى بشكل مُبطَّن، ولهذا ظلت الحاجة أُم خالد في بيتها بمخيم الدهيشة، على أمل أن تعود إلى قريتها الأصلية خلدة، وكانت عند كل انتهاء كل زيارة لزوجها في الأردن يتم توقيفها على الجسر، لتخضع للتحقيق حول ما شاهدته أو ما حملها زوجها من رسائل وإلى غير ذلك، ودائماً كانت تقابل كل هذه الإجراءات بالصمت ورباطة الجأش، وقد أنجبت خلال وجود زوجها في المنفى اثنين آخرين من الأبناء، وهما ثائر وياسر، حيث فضّل الزوج المبعد هذه المرة أن يطلق الاسم الأول ذلك مشتقاً من كلمة "الثورة"، والاسم الثاني تيمُّناً بالرئيس ياسر عرفات قبل استشهاده طبعاً.

ولم تتوقف معاناة أُم خالد عند هذا الحد، بل سجن أبنائها الخمسة تباعاً في فترات مختلفة، ومنهم من حُكم بالسجن الفعلي، ومنهم من حُوِّل إلى الاعتقال الإداري، وظلت تلاحقهم من سجنٍ إلى سجن، وعند انتهاء الزيارة تذهب لزوجها في المنفى لتخبره عن أوضاع أبنائه وكيف الاحتلال يعاقبهم، لكنها في الوقت ذاته كانت تتمتع برباطة جأش وصبر وحكمة لا يمكن وصفها، وتمكنت من تعليم أبنائها وإدخالهم إلى عش الزوجية رغم بعد الأب المؤلم، وكانت نظمية بحسب العديد من أهالي المخيم واحدة من أبرز النساء اللواتي كن يساندن أطفال الحجارة والنشطاء حينما يتم الاعتداء عليهم من قبل الجنود أو اعتقاله، فتسرع إلى الشارع لتواجه الجنود، وكثيراً ما خلصت أطفال من قبضاتهم، فضرب بها المثل في المواجهة الشعبية العنيدة قبل عدة عقود.

استشهاد حفيديها في غضون ثمانية أشهر

لم تتوقف مأساة الحاجة أُم خالد عند هذا الحد من شريط الآلام، بل توجه باستشهاد حفيدها في غضون نحو سبعة أشهر، وكان عمرها تجاوز نصف العقد الثامن، وقد خط الزمن خطوطه على محياها، وأنهكها المرض، فاستشهد الحفيد الأول أركان من نجلها ثائر البالغ من العمر 15 سنة برصاصة احتلالية أثناء اقتحام المخيم، وذلك في الخامس والعشرين من تموز العام الماضي، وبعد نحو ثمانية أشهر استشهد حفيدها الثاني ساجد من نجلها عبد الحكيم الذي يبلغ من العمر 17 عاماً برصاصة احتلالية أُخرى، وهو يقوم بعمله كمسعفٍ متطوعٍ في الإغاثة الطبية في السابع والعشرين من آذار الماضي، ليكون الحدثين من أكثر الأحداث ألماً التي مرت بها، لكنها كما تقول لم ولن تفقد الأمل، كما أن لهذا الظلم ستكون له نهاية، وهذا ما أُعلمه لأحفادي من بعدي، وشرحت لهم عن النكبة والتهجير وعن خلدة قرية آبائهم واجدادهم التي سيعودون إليها عاجلاً أم اجلاً، لن يجعلنا هذا الاحتلال أننستسلم له، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.

خلدة في الذاكرة

ذهبت الحاجة أُم خالد إلى قريتها عدة مرات، ووقفت عند منزل جدها الذي بقي منتصباً من دون المنازل الأُخرى، ففتحت ذاكرتها على مصراعيها، وقالت إنها تستذكر تلك المعركة الشهيرة التي دارت عشية احتلال البلدة من قبل العصابات الصهوينية في السادس من نيسان عام 1948، حيث دارت معركة دموية عنيفة استبسل فيها المدافعون الثوار عن القرية، وتمكنوا من إعطاب دبابة لقوات "النحشون" وقتل عددٍ منهم، وقد ظلت الدبابة في مكانها كمعلمٍ عن تلك المعركة، وكُتب عند المدخل المؤدي إلى المكان الذي بقيت فيه الدبابة المعطوبة أسماء القتلى اليهود باللغتين العبرية والانجليزية، كما تطرقت إلى مسجد القرية الوحيد الذي حوّله الاسرائيليون إلى متحفٍ لهم بعد أن جرى محوه كمسجد، إضافةً إلى قيام الإسرائيليين باستخدام أراضٍ واسعة من القرية لأغراض عسكرية، حيث يعتقد بوجود قاعدة لسلاح الهندسة الاسرائيلية.

وقال أحد أبناء عمومتها الذي زار القرية معها، وهو إبراهيم: إن ما يحز بالنفس أن يُقام مثل هذا الصرح لتخليد اليهود المستقدمين إلى الداخل. أما الشهداء الفلسطينيون أصحاب الأرض الحقيقيون، فلا ذكر لهم.

معلومات وذكريات وتصميم على العودة

وقال إبراهيم: إن كل ما نملكه عن القرية معلومات وذكريات لكبارنا الذين تناقصوا بشكلٍ كبيرٍ مع مرور الوقت بعد انتقال العديد منهم إلى رحمة الله تعالى، لكنه آثر أن يحمل بضعاً من حجارة بيت والده الذي وصفه بأنه كان كبيراً، وقد هُدم المنزل في العام 2005، وحمل الحجارة معه إلى منزله المتواضع في مخيم الدهيشة، حيث جاء بهذه الحجارة من أجل الاحتفاظ بها، وليُعرّف أبنائه عليها، حيث كان يستمع إلى حديثه نجله طارق البالغ من العمر عشر سنوات. ورغم صغر سنه، فإنّ طارق يكتنز في عقله العديد من المعلومات عن القرية، كعدد سكانها وقت النزوح وعدد سكانها اليوم، وعن موقعها، وبما كانت تشتهر، ليؤكد في حديثه لمراسل”القدس” وبطريقة برئية وحازمة "إنها قريتي، كان جدي يعيش فيها، وأنا متأكد أنه سوف يأتي اليوم الذي سنعود فيه".

موقع القرية

كانت القرية مبنية على تل منبسط القمة، ومشرفة على مساحات واسعة من الجهات كلها. ولهذا أُطلق عليها “القرية الكبيرة”، وكانت تقع بالقرب من طريق عام يصل غزة بطريق الرملة- القدس، فيما كانت شبكة من الطرق الفرعية تصلها بالرملة وببضعة طرق عامة رئيسية.

ويُعتقد أن موقعها هو الموقع نفسه الذي كان الفرنجة يسمونه 1596، كانت خلدة قرية في ناحية الرملة (لواء غزة)، وعدد سكانها 66 نسمة. وكانت تؤدي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير، بالإضافة إلى عناصر أُخرى من الإنتاج كالماعز وخلايا النحل. ووُصفت خلدة، في أواخر القرن التاسع عشر، بأنها قرية مبنية بالحجارة والطين، وقائمة على سفح تل، وفي ناحيتها الغربية بئر حجرية. وكان سكانها كلهم من المسلمين، ولهم فيها مسجد، وكانوا يتزودون بالمياه للاستخدام المنزلي من بئرين تقعان إلى الشمال من القرية، ويعملون في تربية المواشي وفي الزراعة البعلية؛ فيزرعون الحبوب وكميات قليلة من الخضروات. في 1944/ 1945 كان ما مجموعه 8994 دونماً مخصصاً للحبوب، و9 دونمات مروية أو مستخدمة للبساتين.

احتلال القرية

في 6 نيسان 1948، عند بداية عملية نحشون، احتلت كتيبة من الهاغاناه خلدة وقرية دير محيسن المجاورة لها. وبعد أسبوعين من احتلال خلدة، سُوّيت بالأرض في 20 نيسان. ويكتفي "تاريخ الهاغاناه" بالقول إنها احتُلّت "بلا قتال". وقد ظلّت المعارك تدور حول القرية في الأسابيع التالية، لا سيما في الأسبوع الأخير من أيار، إذ امتدت الاشتباكات حول اللطرون إلى منطقة خلدة، وتحوّلت إلى ما وصفته الصحافة بـ "أكبر صدام عرفته الحرب حتى ذلك التاريخ".

المصدر: جريدة القدس