الرئيسية » تقارير نسوية »  

هل المؤسسات الصحفية بيئة خصبة للتحرش؟
18 شباط 2019

وكالات - نساء FM:- هل يمكن أن تكون هناك بيئة عمل خصبة للتحرش؟ هل يمكن أن يزداد التحرش في مكان عمل أكثر من غيره؟ الإجابة الصادمة -التي نحصل عليها من دراسة أميركية عن خفض معدلات التحرش في أماكن العمل- هي "نعم".

تذكر الدراسة الصادرة عام 2014 أنه عندما يتجاوز عدد الرجال النساء بشكل ملحوظ، في أماكن العمل، يشجع ذلك على التحرش بالنساء.

في المؤسسات الصحفية، يزيد عدد الرجال على النساء، ويسيطر الرجال على كل الأدوار والمناصب العليا "رئاسة تحرير، إدارة تحرير، سكرتارية تحرير" وإن كانت هذه سيطرة شائعة بأماكن العمل المختلفة، فإن المؤسسات الصحفية والقوانين المنظمة للعمل الصحفي تضيف لهذه السيطرة عناصر قوة، وتحول بيئة العمل لجحيم حقيقي تعيشه الصحفيات.

القاهرة.. إحصائيات صادمة
تتعرض النساء في القاهرة للتحرش يوميا، لذا صنفت العاصمة على أنها ثالث أخطر المدن الكبرى على النساء من حيث العنف الجنسي. ففي عام 2008 وصلت نسبة التحرش في مصر إلى 83% وارتفعت عام 2017 إلى 99%.

في دراسة أجرتها سكرتارية المرأة العاملة بالاتحاد العام لعمال مصر عام 2014 فإن 30% من العاملات يتعرضن للتحرش اللفظي بأماكن العمل. كما أثبتت أن 50% من العاملات المتعرضات للتحرش بالقاهرة يتعرضن للاضطهاد في العمل بسبب عدم الاستجابة للمتحرش.

حملات شعبية لمواجهة التحرش الجنسي (الجزيرة)

أسباب التحرش وقوانين العمل
يزداد التحرش الجنسي داخل المؤسسات الصحفية لأسباب لها علاقة بالقوانين المتعلقة بنوعية ذلك العمل، إذ لا يتمتع الصحفيون في مرحلة التدريب (قبل التعيين الرسمي) بأي حماية نقابية، ففي مصر لا تقبل نقابة الصحفيين طلب عضوية غير مدعم بعقد عمل في جريدة ورقية تصدر بترخيص مصري، وحتى يحصل الصحفي على هذا العقد -بحسب ما يحدث في الواقع- عليه إرضاء رؤسائه المباشرين.

ذلك الإذعان التام، يتيح مجالا للمسؤول "المتحرش" بفرض سيطرته وممارسة تجاوزاته، خاصة في غياب آلية إثبات التحرش.

بلاغ تحرش ضد رئيس التحرير
يعتقد الكثيرون أنه في حالة التعرض لاعتداء أو تحرش، فإن التجربة بتفاصيلها تحفر في ذاكرة الضحية، لكن البعض يحاول التخلص من التفاصيل المؤلمة بذاكرته.

أواخر 2016، تقدمت الصحفية منى يسري بتحرير محضر ضد رئيس تحرير إحدى الصحف التي عملت بها، متهمة إياه باستدراجها لمقر الصحيفة بدعوى مناقشة بعض الأعمال الصحفية، ثم فاجأها بالانتهاك الجسدي والتحرش اللفظي داخل مكتبه، وعرض المزيد من المميزات الوظيفية، وعندما همت بالخروج كرر ما فعله في بداية المقابلة، وحاولت أن تصرخ لكنه كتم صراخها.

نشرت "منى" شهادتها على صفحتها على "فيسبوك" معلنة تقدمها ببلاغ للنائب العام.

الصحفية الشابة امتنعت عن الخوض في تفاصيل الواقعة من جديد، معللة ذلك بشعورها بالإهانة حين تتذكرها.

الوسط الصحفي متشابك بدرجة كبيرة ومن الممكن أن تتحول الصحفية التي تعلن عن حادثة تحرش من مجنٍ عليه إلى جانٍ (مواقع التواصل)

منع العمل.. عقاب الضحية
ووصفت "منى" للجزيرة الطريقة التي عوملت بها بالمهينة، وهو ما دفعها للإبلاغ عنه، رغم تأكدها أنها لن تحصل على حكم إدانة موضحة "القضية حفظت بالتأكيد، وكنت أعرف أنني لن أحصل على حقي".

التضييق على "منى" في عملها وعدم إتاحة أية فرصة لها للعمل ضريبة كانت تعلم أنها ستدفعها، قائلة "كنت في بداية حياتي المهنية، وكنت أعمل في أكثر من موقع صحفي، كلها منعتني من العمل لأسباب واهية، فاضطررت للسفر خارج البلاد".

في شهادة الصحفية عبير سعدي، عضو مجلس النقابة الأسبق، عبر صفحتها على "فيسبوك" تقول "طوال فترة وجودي في مجلس نقابة الصحفيين علمت بشكل مباشر أو غير مباشر بوقائع تحرش في الوسط، تدخلت في بعضها واحترمت رغبة بعض الزميلات في الإبقاء على البعض الآخر مسكوتا عنه".

وتضيف "شهدت بنفسي على التنكيل ببعضهن حين قررن الشكوى، وتحملت إساءات بعض الأشخاص عند دفاعي عنهن، كما رأيت حالة واحدة لادعاء غير صحيح من زميلة ضد زميل لها".

تتعرض الصحفية التي تعلن عن التحرش بها إلى التنكيل بدءا من الضغط عليها للتنازل عن حقها، التضييق عليها في العمل، تسييس واقعة التحرش، الإساءة إلى سمعتها، وفي بعض الحالات فصلها من عملها.

بحسب "س" صحفية وناشطة نقابية، طلبت عدم ذكر اسمها، تقول "الوسط الصحفي متشابك بدرجة كبيرة، ومن الممكن أن تتحول الصحفية التي تعلن عن حادثة تحرش من مجنٍ عليه إلى جانٍ، بسبب مشكلتين:

الأولى: لا توجد مدونة سلوك داخل المؤسسات الصحفية لتعريف التحرش، وغياب معايير واضحة للتحرش اللفظي على سبيل المثال.

الثانية: الثقافة الذكورية السائدة أن البنات ينافسن الرجال في العمل، وأنهن لا يجدن العمل في الصحافة، فيلجأن للطرق الملتوية، وأحيانا يكون فيها جزء حقيقي، هناك حالات بالفعل تدخل مجال الإعلام وكل مهاراتها أنها تستخدم نفسها للحصول على امتيازات لها علاقة بالتعيين والنقابة، وفي الحقيقة هذه حالات قليلة جدا.

لكن تلك الثقافة تسود، طبقا لـ "س" وهذا ما يجعل بعض المسؤولين يستغلون هذه النظرية ويتعاملون مع كل صحفية على اعتبار أنها مشروع شخص لا أخلاقي محتمل ويبدؤون بممارسة التحرش أو عرض علاقة جنسية. 

تؤكد دراسة أميركية أن رفع شعار "لا يمكن التسامح" واحدة من أكثر الطرق فعالية للحد من التحرش (مواقع التواصل)

"لا يمكن التسامح"
تذكر الدراسة الأميركية أن رفع شعار "لا يمكن التسامح" واحدة من أكثر الطرق فعالية للحد من التحرش بشكل عام، كما أن العدالة في أماكن العمل ضرورية للحد منه.

وتعتقد "س" أن المشاركة الأكبر للصحفيات داخل عضوية مجلس النقابة ضرورة ملحة لخفض معدلات التحرش، مشيرة إلى أن الصحفيات هن المعنيات بتلك القضية ومن خلال التمثيل العادل لهن داخل النقابة يستطعن تشكيل قوة ضغط وإلزام النقابة بوضع مدونة سلوك لتعريف التحرش وفرض عقوبات متدرجة من خلال لجنة مستقلة، كما أن حماية الشهود بالقانون أيضا ضروري لخفض نسب التحرش.

وأخيرا، ضبط علاقات العمل من خلال تكافؤ الفرص والتمكين بين الصحفيين والصحفيات ضمانة حقيقية لخفض معدلات التحرش كخطوة أولية للقضاء عليه داخل المؤسسات الصحفية.

المصدر : الجزيرة