الرئيسية » تقارير نسوية » الرسالة الاخبارية »  

العودة إلى الحياة بعد الحرب.. رانيا إياد ترسم وجع غزة بريشة امرأة
13 تشرين الثاني 2025

 

غزة-نساء FM-عبلة العلمي- في غزة ، لا تعني نهاية الحرب بداية للهدوء، بل بداية أخرى : بداية لترميم الأرواح قبل الجدران ، للبحث عن الذات وسط الركام ، ولإعادة تعريف الحياة في مدينة أنهكها الحصار وأثقلتها المجازر.

وسط هذا المشهد، تبرز النساء كقامات صامدة ، لا فقط كناجيات ، بل كصانعات للمعنى. ومن بينهن ، تلمع ريشة الفنانة التشكيلية رانيا إياد ، التي اختارت أن تحوّل الألم إلى لون ، والوجع إلى شهادة ، والذاكرة إلى لوحة لا تُنسى.

الفن في غزة: حين تصرخ الألوان بصمت

في بيئة مشبعة بالقهر ، يصبح الفن أكثر من تعبير جمالي. هو مساحة للبوح، للنجاة، ولإعادة تشكيل الذات.

في غزة، لا تُرسم اللوحات في مرسم هادئ ، بل تُولد من رحم الألم ، من صمت الأمهات ، ومن نظرات الأطفال الجائعة.

الفن هنا لا يزيّن الجدران ، بل يفضحها. لا يجمّل الواقع ، بل يواجهه.

"أرسم لأهرب من الوجع، فيلحقني الواقع إلى لوحتي"

رانيا ، 24 عامًا ، لم تدرس الفن في جامعة ، بل تعلّمته من الحياة. من مشاهد النزوح ، من وجوه الأطفال ، ومن الجوع الذي صار ضيفًا دائمًا على موائد الغزيين.

تقول : "حين ضاق العالم، لم أجد سوى الفن متنفسًا. أرسم لأهرب من الوجع، لكن الواقع كان يلحق بي إلى كل لوحة."

لوحتها "طعامه الأخير كان صبارًا" ليست مجرد عمل فني، بل وثيقة بصرية عن المجاعة التي بدأت تتسلل إلى غزة.

تحكي فيها عن أطفال خرجوا بحثًا عن الطعام ولم يعودوا، وعن أمهات ينتظرن لقمة حياة وسط الخطر.

"رأيت أطفالًا يقفون تحت الشمس على أبواب التكايا، بعضهم مات في طريقه إلى ما يسد رمقه. الكبار قد يتحملون، لكن من يسكت معدات الأطفال الصغيرة؟"

هكذا تحوّلت ريشة رانيا إلى مقاومة، وبكاء اللون إلى شهادة.

الفن النسوي في غزة: ذاكرة لا تُنسى

في مجتمع محافظ، وفي ظل حرب لا تفرّق بين رجل وامرأة، يصبح الفن النسوي مساحة نادرة وآمنة للتعبير.

الفنانات لا يكتفين بالتوثيق، بل يرفعن الصوت من خلال اللون، ويكسرن الصمت حول الفقد، الجوع، والعنف.

كل لوحة هي شهادة، كل ضربة فرشاة هي مقاومة، وكل معرض هو مساحة للبوح الجماعي.

الفن كعلاج، وكأرشيف للمستقبل

في جلسات الدعم النفسي ، يتحول الرسم إلى علاج.

النساء اللواتي فقدن أحبتهن يجدن في الفن عزاءً ، وفي الألوان متنفسًا.

رانيا تؤمن أن الفن لا يداوي الجراح ، لكنه يمنحها شكلًا ، صوتًا ، وحقًا في الوجود.

في ظل غياب العدالة ، تصبح اللوحات أرشيفًا . حين تُنسى الأرقام ، وتُمحى العناوين ، تبقى الألوان شاهدة.

من الهامش إلى الواجهة

رانيا ليست فقط فنانة ، بل ضمير حيّ ، وذاكرة بصرية لجيل يحاول أن يعيش رغم كل شيء.

فنها لا يطلب الإعجاب ، بل يفرض الحضور. لا يرسم الجمال ، بل يرسم الحقيقة.

في زمن الحرب ، تصبح الريشة سلاحًا ، واللوحة جبهة ، والفنانة مقاتلة من نوع آخر.

العودة إلى الحياة بعد الحرب ليست لحظة ، بل مسار طويل.

وفي هذا المسار ، تلعب النساء دورًا محوريًا ، لا فقط في النجاة ، بل في إعادة بناء المعنى.

رانيا إياد ، بريشتها ، تفتح نافذة على هذا المسار ، وتدعونا لنرى غزة لا بعين المتفرج ، بل بقلب الإنسان.