
رام الله-نساء FM- في مقال جديد للباحثة والكاتبة الفلسطينية فيحاء عبد الهادي، في الذكرى العاشرة لرحيل عصام عبد الهادي، يوم الثامن من آب العام 2023، وبينما كنت أفكر مع شقيقي وشقيقتي في أفضل الأساليب لتكريم وإحياء ذكرى الوالدة والصديقة والإنسانة النبيلة، والمناضلة الاستثنائية، صفعنا رحيل صديق وشقيق ورفيق كفاح طويل، هو الشاعر والروائي والباحث والفنان والمناضل العنيد، زكريا محمد.
غياب يستدعي غياباً، وحضور طاغٍ في الغياب، يستدعي حضوراً طاغياً في الغياب، وخسارات يومية لأجمل وأنقى المناضلات والمناضلين، في مدن وقرى ومخيمات الوطن الحبيب، أيّ خسارة أيتها الصديقات والأصدقاء ورفاق الدرب الطويل؟ أيّ خسارة؟!
*****
مقاتلة حتى وهي تعدّ شاي الصباح.
نعم، صدق الشاعر «مريد البرغوثي»، كانت «عصام عبد الهادي» مقاتلة على المستويَين الفردي والجماعي، وسلاحها الكلمة الحرّة والعمل الدؤوب، فكانت «سيدة القول والفعل» على حدّ تعبير الشاعرة «فدوى طوقان»، نذرت نفسها لقضية شعبها، لم تسمح يوماً لليأس أن يتطرَّق إليها، حتى في أحلك اللحظات، حين اعتُقِلت وعُذِّبت، وحين أُبعِدت، وحين عادت إلى وطن لم يتحرَّر بعد.
كانت بعيدة عن المظاهر والاستعراض، وتميَّزت بالتواضع الجمّ، بالإضافة إلى صفاتها الإنسانية العديدة، وعلى رأسها الصدق والشفافية، ما جعلها تأسر قلوب العديد ممّن تعرف أو ممّن سمعها وهي تتحدث، وتجعلهم/ن يصغون إليها جيداً، خاصة أنهم يعرفون أنها بعيدة عن أيّ مصلحة شخصية.
مشت في طريق وعر، تؤسِّس، وتبني، وتزرع، وتبذر، وتغني للحرية. وكلما ازدادت وعورة الحقل فكَّرت بالزرع الذي لا بدّ أن يثمر، وكلما اشتدّت حلكة الليل فكَّرت بالنهار الذي لا بدّ أن يشرق.
لم يتزعزع إيمانها بالوحدة الوطنية، وبالحوار سبيلاً لحلّ الخلافات مهما اشتدّت، ولذا بحثت دائماً عن المشترك بين البشر، وكانت بوصلة أمان للعديد من التنظيمات السياسية والمؤسَّسات النسوية والنساء المستقلّات، في المجلس الوطني، والمجلس المركزي، وفي الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، كما كانت مرجعاً لهن/م في السجن، وفي المنفى.
آمنت بالمساواة، والعدالة، والحق، دون فلسفة، ودون ادِّعاء، الأمر الذي جعلها تمارس هذه المبادئ في حياتها الخاصة، وحياتها العامة.
*****
عبر محطات نضالها، تحلَّت بالهدوء، والصبر، والسلاسة، والثقة العالية بالنفس، والحكمة.
وفي عملها النقابي، كرئيسة مستقلة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ولإيمانها العميق بالديمقراطية التي تستوجب الشراكة بشكل أساسي، سعت لخلق كادرات جديدات في الاتحاد، كما اعترف العديد من كادرات الاتحاد، اللواتي شهدن على أنها كانت توزِّع الأدوار على أعضاء وفد الاتحاد في أي مؤتمر عربي أو عالمي حضرته كرئيسة وفد. ولم تكن توزِّع الأدوار على المشاركات فحسب، بل كانت تدفعهن للحديث، وتقديم المداخلات. تمتعت بشخصية جامعة وموحِّدة، ما جعلها مدرسة في ممارسة مبادئها، وفي إدارة الخلاف، دون إنكاره، كانت تحاول الوصول إلى حلّ بذكاء، وتدعو إلى الحوار حول هذا الخلاف.