
ليست هذه المواجهة الأولى في الميدان بين عبير (42 عاما) وجنود الاحتلال، لكنها الأبرز مؤخرا وقد وقعت في منطقة الأغوار الشمالية عندما تصدت رفقة ناشطين آخرين في المقاومة الشعبية لسلطات الاحتلال التي أرادت تشييد بؤرة استيطانية هناك.
لم تلق عبير بالا لأي عقاب قد يتخذه الإسرائيليون بحقها واستمرت بالمقاومة، فهذه لم تكن المرة الأولى التي تتواجه بها مع جنود الاحتلال في الميدان، بل هذا ديدنها منذ 13 عاما أو يزيد، ليس كواحدة من موظفي هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بل كامرأة شقت ورفيقات لها طريقهن بمضمار المقاومة الشعبية وما زلن.
لم تكن كلمات عبير "بطعمك قتلة" هي الأولى ضد المحتل، لكن كانت الأولى بهذا اللفظ بعدما اشتدت المواجهة مع الاحتلال. ولها عبارات كثيرة ذاعت عنها وباتت تُخلد نضالها مثل "الاستيطان وصل غرف نومنا" و"علينا مواجهة الأبارتهايد" .
عمليات التهجير والهدم
تقول عبير للجزيرة نت إن ما تشاهده من "توحش" الاحتلال عبر الاغتيال والاعتقال والاستيطان والظلم بحق الفلسطينيين يستثيرها ويجعلها تنتفض بوجهه بغضب وعنفوان، فقد عايشت عمليات التهجير والهدم وتشريد العائلة الفلسطينية بل واعتقالها "فكيف للأم أن تفقد ابنها أو الزوجة زوجها أمام عينيها؟" تعلق عبير.
وتضيف "لم يغب عن بالي مشهد لجنود الاحتلال وهم يلقون بحليب الأطفال أرضا ويخلطونه بالماء في منطقة حمصة بالأغوار الشمالية، وعندما حاولت الأم خطف رضاعة طفلها من يد الجندي ليظل ابنها على قيد الحياة، رد الجيش فأعلن المنطقة عسكرية مغلقة 24 ساعة، لا يدخلها ماء ولا طعام".
تحرك عبير بالميدان نابع من الذات، فالاحتلال يقمع ويتغوَّل كل يوم والأرض تصادر وتسلب والاستيطان "وصل لغرف نومنا" وبالتالي ما يقوم به الفلسطينيون رد فعل طبيعي على جرائم الاحتلال.

لا ترى عبير أنها تنفرد بالميدان وحدها كامرأة وإن حدث ذلك أحيانا، وتقول إن صرخة المرأة الفلسطينية حاضرة على الدوام بالميدان وبكل مكان، فهي لا تقل شأنا عن أخريات يناضلن بأماكنهن.
"في هيئة مقاومة الجدار قرابة 150 موظفا نصفهم نساء ودورهن لا يقل عني، بل أهم، وكل منا مناضل بمكانه" تقول عبير.
المقاومة الشعبية فقدت شهيدتها جواهر أبو رحمة عام 2011، كما اعتقل الاحتلال عشرات المقاوِمات أمثال ناريمان وعهد التميمي فضلا عن المرابطات بالمسجد الأقصى كهنادي الحلواني وخديجة خويص، وغيرهن.

من الميدان وإليه
تحت وطأة القهر والظلم، كانت عبير المرأة الأولى والوحيدة التي تنام 16 يوما بصحراء الخان الأحمر شرق القدس رفضا لهدم وتهجير سكان التجمع البدوي هناك.
وتقول "كان ذلك عام 2016 وكنت المرأة الوحيدة بين 7 نشطاء من المقاومة الشعبية ممن تصدوا لعملية الهدم، وقرعنا الجرس وتصدرت قضية الخان الأحمر محليا وعالميا "حتى أرجأت المحكمة العليا الإسرائيلية النظر بقرارها القاضي بهدم المنطقة.
عاودت عبير الكرَّة فقضت 8 أشهر في المكان ذاته استمرارا في الدفاع عنه، وهي لا تكاد تحصي المناطق التي آزرتها بالضفة الغربية وأكثر ما يقهرها هو عدم تمكنها من دخول مدينتها القدس لتتضامن مع الأهالي بحي الشيخ جراح وأماكن أخرى.

وشهدت الجزيرة نت قبل أشهر مواجهة ميدانية لعبير في قرية اللبن جنوب مدينة نابلس حينما جاءت رفقة زملاء لها قبيل 7 صباحا لمساعدة تلاميذ القرية بالوصول لمدارسهم التي يهاجمها الجنود والمستوطنون معا.
تقول عبير عن تلك الفعالية إنهم قرروا تنظيمها مباشرة وفور سماعهم بها، واستمروا حتى تم تأمين وصول جميع الطلاب، وهو أثار حفيظة جنود الاحتلال فهاجموا المحتجين واعتدوا عليهم.
وتشير تقديرات نشطاء المقاومة الشعبية إلى أن المشاركة الميدانية للمرأة الفلسطينية تقدر بـ 10 إلى 50% عبر أشكالها المختلفة كحملات المقاطعة لإسرائيل ودعم صمود الفلسطينيين، أما المقدسية فتجاوزت مشاركتها لوجستيا وميدانيا 80% بصفوف المقاومة الشعبية.
وبشكل جيد ومنظم تُعد عبير ورفاقها لأي نشاط لكنهم قد يتخذون قرارا في اللحظة والتو بمجرد مناشدة وصلتهم أو تعرض منطقة لهجوم من جيش الاحتلال والمستوطنين، وقد يحدث أن تشارك أكثر من مرة أسبوعيا.

ماذا عن التحضير للمواجهة؟
قبل أية فعالية تتسلح عبير بقوة إيمانها وقوة الحق الذي تناضل من أجله، وتقر بالخوف فعلا من جنود مزودين بأحدث أسلحة يمارسون عبرها إرهابهم ضد نشطاء ومواطنين عُزَّل.
وتذكر أنها أصيبت عشرات المرات بالغاز المدمع وغاز الفلفل السام فضلا عن الرصاص المطاطي الذي اخترق جسدها، وعندما حاولت وأخريات ذات مرة تخليص شاب من بين يدي جنود الاحتلال بفعالية قرب رام الله ضربها جندي ببندقيته على رجلها فكسرت إضافة إلى محاولات اعتقال عديدة.
وتستعد عبير جيدا كل مرة تنطلق فيها إلى الميدان، فقبل أن تخرج باكرا تودع أولادها بقبلة لا سيما طفلها مصطفى (10 سنوات) الذي ولد مع بدايات انخراطها بالمقاومة الشعبية بعد أن تكون قد ساعدته بالتدريس، كما تتصل بوالديها وزوجها.
ترتدي ملابس مريحة وتخلي حقيبتها من أية وثائق مهمة ومن الهاتف الشخصي "خشية الاعتقال أو الاستشهاد" -كما تقول- والأهم أنها تعد واجباتها المنزلية قبل ذلك كله، فتجهز الطعام وتغسل الثياب وتخرج وكأنها لن تعود.
يقول منذر عميرة الناشط بالمقاومة الشعبية إن عبير واحدة من النساء القليلات الفاعلات بالمقاومة الشعبية، ومع ذلك فإن مشاركتها "مميزة" بالفعاليات المباشرة بالميدان وغير المباشرة عبر مبادرتها بحملات التطوع كبناء المدارس ومساندة المزارعين وأصحاب الأرض.
ويضيف عميرة للجزيرة نت أن وجود عبير بالميدان يبعث "طمأنينة" و"حماية" بصفوف المشاركين.
إلى "مسافر يطا" بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية وعلى بعد عشرات الكيلومترات من مسكنها كانت وجهة عبير الأخيرة. قالت وهي تحدثنا إنها تستعد لتنطلق إلى هناك رفقة مقاومين آخرين لتنظيم فعالية لمنع تدريبات لجيش الاحتلال بين السكان، وقد نفذت ما قالته.