الرئيسية » تقارير نسوية » نساء في العالم العربي » الرسالة الاخبارية »  

أنشأت مكتبة وترأستها.. كيف صنعت وفاء رياض الوعي في المجتمع الموريتاني؟
05 حزيران 2022

 

نواكشوط –نساء FM- قبل أن يحل الظلام بدقائق على سماء مدينة نواكشوط وحين زارت الجزيرة نت مكتبة "اقرأ معي" كانت وفاء رياض ما تزال ترابط في ذلك المكان الهادئ القابع في سوق مدريد، وسط العاصمة الموريتانية نواكشوط تستقبل بحفاوة رواد المكتبة من القراء وتشرح لهم شروط الانتساب واستعارة الكتب.

وحين كنت أقف بين الرفوف أسألها عن مكان كتاب "حياة مثقوبة" أوقفت مؤقتا عملية انتساب قارئ جديد أوشكت على الانتهاء، لتلبي رغبة قارئ آخر مستعجل يريد استعارة كتاب، ليرن هاتفها في تلك اللحظة، شغلت سماعة الهاتف الخارجية وبدأت في التحدث دون أن تترك عملها، الجميع يستمع، كانت ابنتها تسأل بنبرة "حادة" ملؤها الشوق أين أنت يا ماما؟ قريبا ابنتي سأعود لا تتعبي ماما.

فرغم خصوصيات المرأة الموريتانية وواجباتها المنزلية أبت الفتاة الحاصلة على ماجستير في إدارة أعمال المكتبات ومراكز المعلومات، إلا أن تقتطع من وقتها تطوعا ما تصنع به الوعي داخل مجتمعها، رفقة زملاء آمنوا بفكرة هادفة منذ سنوات، فكرة زرعت الأمل في نفوس الشباب وحببت لديهم القراءة.

واستطاعت وفاء أن توائم بين أنشطتها التثقيفية والتوعوية وأعمالها كامرأة وأم عليها واجبات ومسؤوليات مضاعفة، تقول وفاء "الأمر صعب للغاية، لكنه كان بالنسبة لي جهادا ومسؤولية وتحديا مستمرا من أجل أن أكون حيث يجب أن أكون أو لا أكون".

تسليم مادة من نواكشوط إلى مرأة. أنشأت مكتبة وترأستها كيف صنعت وفاء رياض الوعي في المجتمع الموريتاني؟

هكذا خاطبت وفاء رياض زميلها في الدراسة الحسين سيدي في اتصال هاتفي بعد أن أعياها البحث عن كتابها المفضل في المكتبات الوطنية من دون جدوى، وبعد أن دارت في ذهنها أسئلة من قبيل؛ لماذا ليس في موريتانيا مكتبات متنوعة توفر للقراء آخر الإصدارات في العالم؟

فقبل 7 سنوات وتحديدا عام 2015 استطاعت مجموعة من خريجي الجامعات -تضم نساء ورجالا- إطلاق مبادرة لنشر ثقافة القراءة وتشجيع الشباب عليها، تعتمد على إعارة الكتب وتبادلها، والتجمع لمناقشتها، وبدأت الفكرة افتراضيا ثم تجسدت على أرض الواقع في كوخ كمقر في فضاء عمومي إلى أن استوت مكتبة متكاملة لها مقر لائق تستقبل فيه يوميا روادها.

 

وتهدف المكتبة وفق القائمين عليها إلى إنعاش الساحة الثقافية الموريتانية ونشر ثقافة المطالعة وتوفير الكتب للإعارة بالمجان، من أجل العودة إلى الكتاب وإلى خلق مجتمع قارئ.

 

شاب من مرتادي المكتبة -تسليم مادة من نواكشوط إلى مرأة. أنشأت مكتبة وترأستها كيف صنعت وفاء رياض الوعي في المجتمع الموريتاني؟

أنشطة متنوعة

تنظم المكتبة نشاطات متنوعة ومسابقات شهرية، مثل نشاط "100 دقيقة نقاش"، الذي يستضيف الكتّاب الموريتانيين ليتحدثوا عن آخر إصداراتهم لجمهور القراء وجها لوجه ويجيبوا عن أسئلتهم.

وكان آخر نقاش نظمته المكتبة مع كاتب رواية "البراني" أحمد ولد إسلم، ضمن مسابقة "كتاب الشهر" وهي مسابقة شهرية لمراجعة الكتب ونقاشها، تضع المكتبة بين يدي قرائها كتابا وتمنحهم الفرصة لقراءته وتقديم ملخص عنه، لتعين لاحقا لجنة خارجية متخصصة من الكتاب على اختيار القراءة الأكثر إبداعا وإمتاعا، وينال الفائز جائزة معتبرة.

تسليم مادة من نواكشوط إلى مرأة. أنشأت مكتبة وترأستها كيف صنعت وفاء رياض الوعي في المجتمع الموريتاني؟

وهناك "مجالس" وهو عبارة عن ندوات فكرية وفنية تنظمها المكتبة وتستضيف لها شخصيات أكاديمية وفنية تناقش فيها المواضيع والإشكاليات التي تهم المجتمع الموريتاني، و"القافية" وهو نشاط أدبي سنوي تنظمه المكتبة وتنعشه كوكبة من الشعراء من مختلف المدار س الأدبية.

 

وتقول وفاء إنها فكرة فريدة من نوعها، و"إنها تركت بصمة قوية في نفوس الشباب الموريتاني المتعطش للكتاب، كما استطاعت سد الفجوة بين الكتاب الموريتانيين والشباب من خلال جلساتها وأنشطتها". وتضيف رئيسة المكتبة للجزيرة نت "الجميل أننا من خلال "اقرأ معي" اكتشفنا بأن ما ينقص الشباب هو المادة المقروءة وخلق أجواء ثقافية جامعة للشباب تقربهم من الكتاب وخصوصا الموريتانيين منهم".

إحصائيات مبشرة

الإقبال كبير، وخلال هذا العام فقط يضم سجل الإعارة أكثر من ألفي كتاب، وهي إحصائيات أبهرت أبرز الكتّاب الموريتانيين في العصر الحديث. وقد صرح إسلم بأنه فخور جدا بصبر وصمود القائمين على هذا المشروع العظيم، حيث كتب في تدوينة له بعد أن سلم المكتبة نسخا من روايته "البراني" "إنه ليس مجرد محل صغير في حي أقرب للشعبي، أجرته يقتطعها من مصروفهم الشهري شباب دون الثلاثين غالبيتهم طلاب ثانوية أو جامعة، لكنه أعظم مشروع معرفي عرفته موريتانيا خلال السنوات العشر الماضية.

 

تسليم مادة من نواكشوط إلى مرأة. أنشأت مكتبة وترأستها كيف صنعت وفاء رياض الوعي في المجتمع الموريتاني؟

دور نسائي فعال

وبعد أن كان تعليمها أمرا ثانويا ومشاركتها الرجال في صنع الوعي محظورا في المجتمعات التقليدية أصبحت المرأة الموريتانية اليوم تزاحم الرجال في مجالس التعليم وقاعات الدروس، وازدادت نسبة وجودها وتضاعفت في المدارس والجامعات، لكن هل رفع ذلك من فاعليتها في المشهد الثقافي، أم أن تلك الفاعلية ما زالت محدودة؟

يقول الأستاذ "احمادة عده" مسؤول الإعلام في مكتبة "اقرأ معي" للجزيرة نت "حضور النساء في المشهد الثقافي ليس كثيفا ولكن اللواتي يقتحمن هذا المجال دائما ما يتميزن، و"اقرأ معي" مثال على ذلك، فأغلب المناصب تتقلدها المرأة وحتى الأعضاء أغلبهم من النساء، إضافة إلى أنهن الأكثر صمودا وصبرا على العمل الثقافي، ونلاحظ أن الجيل المؤسس من الرجال في المكتبة لم تسمح الظروف لكثير منهم بمواصلة العمل ميدانيا، في الوقت الذي ما تزال فيه النساء من أعضاء التأسيس يواصلن العمل والمداومة بجد ومثابرة".

أما وفاء فتعتقد أن المرأة ما تزال عاجزة عن إبراز قدراتها، وتضيف أن "التحدي الأبرز يتمثل في الحاجة إلى أوجه نسائية موريتانية مبدعة في مجال الرواية والشعر وحتى الفكر وغير ذلك، أوجه تكون قادرة على التعبير ورفع التحدي وكسر حاجز الصمت باستمرار".

تسليم مادة من نواكشوط إلى مرأة. أنشأت مكتبة وترأستها كيف صنعت وفاء رياض الوعي في المجتمع الموريتاني؟

مكاسب وتحديات

ورغم سيطرة العادات التقليدية على المرأة والقيود التي تكبلها وتعيق طريقها ومسيرتها نحو المشاركة الفعالة في الجهود التنموية وغيرها؛ إلا أن المرأة الموريتانية حققت مكاسب كبيرة في هذا الصدد، وللمحافظة على هذه المكاسب ترى وفاء رياض الناشطة في المجتمع المدني ورئيسة مكتبة "اقرأ معي" والطامحة إلى إنشاء أكبر مكتبة أفريقية في الوطن العربي بموريتانيا، ترى أن "النساء بحاجة لتوحيد جهودهن لخلق بيئة تكوينية وتثقيفية وتوعوية… تنهض بالمرأة الموريتانية".

كما أنهن بحاجة للتغلب على الخوف من البروز أو مزاحمة الرجل والتقاعس عن العمل على الذات وصنعها، وهي مطالبة أكثر بالخروج من سيطرة العادات المجتمعية السلبية عليها، والتي لا صلة لها بالشرع غالبا وتحاسب عليها بغبن وإجحاف، وفق وفاء.

 

المصدر : الجزيرة