الرئيسية » تقارير نسوية » أخبار المرأة الفلسطينية » الرسالة الاخبارية »  

صوت| "ن. ز".. سيدة فلسطينية طلبت حياة كريمة فكانت ضحية حبس المدين
05 كانون الثاني 2022

 

رام الله-نساء FM-كتبت مديرة التحرير في صحيفة الحياة الجديدة الصحافية عبير البرغوثي مقالا بعنوان: ن. ز سيدة فلسطينية طلبت حياة كريمة فكانت ضحية حبس المدين وفي حديثها للسابعة على اثير "نساء إف إم" قالت:

حينما تطبق الدنيا بنوائبها على الإنسان، تبدأ رحلة الصراع مع الحياة، تنقلب الأمور رأساً على عقب، فما كان هادئاً ومنظماً حتى الأمس القريب يصبح متناثراً وفي مهب الرياح والعواصف، هكذا هو حال كثيرين من بيننا رسموا لحياتهم مساراً  وفق معطيات الواقع، ومضت بعض صفحات هذا الواقع بكل هدوء، وبات الإحساس بأن الحلم أصبح أكثر قرباً من ذي قبل، ومهما كان الانتظار سابقاً طويلاً الا انه الان يعطي طعماً جديداً بعد الأيام الصعبة، بهذا الأمل أشخاص ضحوا بقسم كبير من دخلهم اليومي كأقساط لشراء منزل حلموا بأن يكون بيت العمر، بيت يخفف عنهم تكاليف الإيجارات.

هذا هو حال المواطنة (ن. ز) التي التقيناها  في مركز إصلاح وتأهيل بيت لحم، تم توقيفها لعدم تسديد شيكات بنكية، تقول وهي محتجزة لمدة ثلاثة أشهر والدموع تحرق روحها: "كان حلم حياتي أن أسكن في بيت ملك، والبداية أنني كنت اعمل في محل ملابس، وقمت باستخراج دفتر شيكات بهدف شراء منزل، اشتراه والدي من شقيقه (عمي)، وبعدها عرض علي والدي أخذ نصف المنزل والقيام بترميمه والتخلص من معاناة الإيجار، وبهدف ترميم المنزل قمت بكتابة شيكات للقائمين على الترميم والصيانة وبالفعل قمت بترميمه وإيصال التيار الكهربائي للمنزل، ومضت هذه المرحلة وكأننا في فصل جديد من حياة أفضل".

إلا أن الحياة لا تمضي بالنوايا الحسنة في كثير من الأحيان، "فبعد سنتين من السكن في المنزل الذي استنزف كل شيء من حياتنا المادية، سواء ما يوفره الزوج من عمله داخل الخط الأخضر أو دخل ما كنت أنا أقوم به من أعمال متفرقة مثل تنظيف البيوت وعمل وجبات طعام على التواصي، بدأت الأمور تسوء، فقد تعرض  زوجي  لحادث أقعده عن العمل وسبب له عجزًا في العمود الفقري"، هنا انقلبت الدنيا على رأسنا، فقد قام شقيق والدي (عمي) باسترجاع المنزل بسبب أن والدي لم يقم بسداد الشيكات وكانت تقريبا 100 شيك باسمه، حيث تعرض والدي لوعكة صحية أدت الى قطع قدمه وتوقف عن العمل وبات غير قادر على سداد الشيكات ما دفع عمي لاسترجاع المنزل مني"، تقول (ن. ز) .

الدين بشيك أو بغيره هو التزام قانوني وأخلاقي للمدين تجاه الدائن، لكن التحدي في الاساس هو في البحث عن طريقة وحلول تساعد المدين على الالتزام بسداد الدين حتى تستمر الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

 فالمواطنة " ن . ز" التي قابلناها في مركز التوقيف تقضي مدة موقوفية لثلاثة أشهر، بعد أن ضاقت بها الدنيا وأصبحت في مواجهة سداد شيكات ترميم المنزل وقيمتها 30 ألف شيقل، انتظمت في السداد في البداية، بعملها في كل ما يساعدها على الايفاء باحتياجات الدين والاسرة، من تنظيف المنازل وعمل وجبات طعام لمن يطلبها، الا انها في نهاية المطاف لها طاقة على التحمل، فالضغط الجسدي ومشاق الحياة وهموم الدين نالت من صحتها حتى دخلت في وضع صحي حرج ودخلت في غيبوبة في مستشفى المقاصد لمدة 28 يوما عام 2017 ومن حينها توقفت عجلة الحياة لتصبح رهن الاعتقال دونما قدرة على ايجاد مخرج يمكنها من مواصلة الحياة التي كانت تحلم بها، في بيت صغير يضمها وابنتها ذات السبع سنوات والزوج المقعد بعد رحلة من العمل كحال الآلاف الذي انقطعت بهم سبل الحياة وباتت زوجاتهم طوق النجاة في بحر تترنح فيه سفن الحياة تحت ضربات أمواجه العاتية.

هذه الحالة تطرح تساؤلات كثيرة ومهمة أمام الجهات المعنية، هل عقوبة الاعتقال لثلاثة أشهر أو تجديدها أو تمديدها هي الآلية الناجحة لسداد الديون؟ وهل هي الطريقة التي أثبتت نجاعتها في دول العالم أم أن هناك دولاً اوقفتها لتبحث عن طرق جديدة؟ وهل الحكم في هذه القضايا بنص القانون أم بروحه، لحالات يسبق فيها الحال الإنساني عن جمود كلمات القانون التي تمر عليها الايام والسنوات دون تعديل او تغيير؟

وفي الواقع الفلسطيني الذي انهكته سنوات الاحتلال وفاقمت من تحدياته تداعيات جائحة كورونا بأبعاده كافة، وكشفت الازمة الاخيرة ظاهرة تستدعي التوقف من قبل كافة الجهات ذات العلاقة، الا وهي حبس المدين لأسباب تتعلق بعدم سداد الدين للمدة المحددة في قرار حبسه أو لحين الوفاء بالدين الذي صدر قرار الحبس بمناسبته، حيث "ما زال القانون الفلسطيني يعترف بحبس المدين كإحدى وسائل التنفيذ الجبري لاستيفاء حقوق الدائنين جبراً عن المدين إذا لم يؤدها برضاه" وفق ورقة سياسات اعدتها الهيئة المستقلة لحقوق الانسان مؤخراً، رغم أن الكثير من البلدان حول العالم، ألغت حبس المدين من قوانينها الداخلية، وابتكرت طرقاً ووسائل أخرى لضمان الحقوق والحفاظ على الكرامة الإنسانية للمدين

حال المواطنة "ن . ز" التي نتحدث عنها وربما هي مثال للعشرات غيرها، ليست حالة تتمرد على سداد الدين، او تتهرب منه، وقطعاً ليس القصد الدفاع عن الخطأ أو خلط الاوراق، لكن كيف لمواطنة تعثرت لأن الظروف عاندتها، وتفاقمت أزمتها بتردي وضعها الصحي، ولم تتمكن من مواصلة العمل اللائق براتب يكفي الحد الادنى من الاحتياجات والالتزامات، ان يكون التوقيف واعادة التوقيف سبيلاً لحل مشكلتها؟ وكلنا يعلم انه بمجرد ان تصبح خريجة سجن مهما كان السبب، فإن ذلك يعني وصمة ستلاحقها وتمنعها من أبسط الحقوق، وهل هكذا حالة سيكون من السهل على أرباب العمل توفير وظيفة لائقة لإنسانة مهددة بالاعتقال والتوقيف في أي لحظة؟

تقول "ن . ز": "منذ اليوم الاول للتوقيف وأنا في معاناة صحية سيئة ومستمرة، وغير قادرة على العمل وسداد الشيكات، فقام أصحابها بالإبلاغ عني، وحاليا أنا محتجزة لمدة 3 شهور في مركز اصلاح وتأهيل بيت لحم، رغم أن التقارير الطبية أثبتت أنه لا يجوز احتجازي نظرًا لوضعي الصحي السيئ الا ان ذلك لم يشفع لي، وبعد خروجي من الاحتجاز سأكون في مواجهة سداد الشيكات ويمكن ان اكون معرضة للاحتجاز مرة أخرى، وانا اعيش في منزل لا يوجد فيه سوى ثلاجة وغاز بعين واحدة وغسالة لا تعمل، وإجار منزل 900 شيقل غير قادرين على سداده منذ 3 شهور ومعرضون للطرد رغم انه أبعد ما يكون عن كونه منزلا هو عبارة عن غرفة بمنافعها تحت الارض، حتى أنني غير قادرة على شراء الدواء، ورغم انني طلبت المساعدة من مؤسسات كثيرة الا انني لم أتلق أية مساعدة".

وهنا لم يقطع بكاء ودموع هذه المواطنة الا صوت أحدهم يخبرها أن لها زيارة من والدتها التي تصطحب طفلتها ذات السبع سنوات، فالأم والطفلة والجدة في غرفة الزيارة وعيونهن متجهة للسماء بأن يكتب للأم فرجًا، وللأب الشفاء وللقانون تعديلاً يحمي حياة الانسان ويحفظ كرامته، ولم أتذكر في نهاية كلماتي الا ذلك القول "يا ما في السجن مظاليم" .

فيا سيدي الخبير بالقانون والتشريعات، فالقانون وجد ليضع حلاً لمشكلة بين الناس مهما كانوا، مؤسسات أو أفراد، تماماً كما هي الوصفة الطبية التي يقدمها الطبيب للمريض بعد المعاينة وليس قبلها، واذا تبين أن الوصفة لم تؤد للشفاء او أدت لخلق عوارض غير محمودة، يعود الطبيب لمراجعة التشخيص وتعديل وصفة الدواء على أمل توفير العلاج، لأنه يسعى للقضاء على المرض وليس معاقبة المريض، هكذا يتجدد الطب وتستمر الحياة.