الرئيسية » تقارير نسوية » نساء في العالم العربي »  

زواج القاصرات في ليبيا غطاء تشريعي بورقة ودعم حكومي بالمال
07 تشرين الثاني 2021

 

طرابلس ـ نساء FM-رحلة قصيرة تتوقف بشكل اضطراري في مرحلة مبكرة، من دون أن تقطف بطلة الرحلة أي ثمار تذكر. رحلة لم تحمل في نهايتها سوى المآسي والحرمان من العلم والتعليم، والتجريد من السلاح الذي يحمي من غدر الزمن، ويدفع عجلة المستقبل إلى الأمام. رحلة تنتهي على يد مأذون شرعي يربط مصير قاصرة بزوج راشد قبل أن تعي حتى كيف تتخد قرارها بنفسها.

قضية زواج القاصرات، هي ظاهرة طفت إلى سطح الظواهر المثيرة إلى الجدل مجددا وخلال الآونة الأخيرة في المجتمع الليبي، بعد أن أثبتت تقارير نشرتها وسائل إعلامية تصاعدا كبيرا في عدد القاصرات اللاتي تزوجن لغرض الاستفادة من منحة دعم الزواج.

حيث أثارت إحصائيات نشرتها وسائل إعلامية خلال الأيام الماضية ضجة كبيرة على المستوى المحلي الليبي، وتضمنت هذه الإحصائيات أعداد المستهدفين بمنحة دعم الزواج التي أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية من القاصرات واللاتي لم يتجاوز عمرهن 18 سنة، بل أظهرت الأرقام أن بعض الفتيات اللاتي استفدن من منح دعم الزواج لم تتجاوز أعمارهن 15 سنة.

وثائق مسربة

بيّنت الوثائق التي نشرتها وسائل إعلامية ليبية، زواج 516 قاصرة من مواليد عام 2004 وزواج عدد 279 قاصرة من مواليد عام 2005 بالإضافة إلى تأكيد زواج عدد 118 قاصرة من مواليد عام 2006 وزواج 25 طفلة من مواليد عام 2007 وأخيراً زواج طفلتين من مواليد عام 2008 ليبلغ بذلك عدد إجمالي زواج الأطفال معظمهن من القاصرات المسجلات في منظومة منحة الزواج 940 حالة.

وقد أظهر فصل من التقرير المنشور حمل اسم «عمر الزوج مقارنة بعمر الزوجة»؛ أن هناك فارقاً كبيراً في العمر بين الزوجين، إذ ان الفارق في العمر وصل إلى 38 عاماً، لـ12 حالة مسجلة في الصندوق، وسجلت حالة واحدة فارق عمر بواقع 24 عاماً، إلى جانب عدد 103 حالات زواج سجلت فارقاً عمرياً بـ19 عاماً بين الزوجين.

وأعلن مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية قرارا رسميًّا، في الرابع عشر من اب/أغسطس الماضي بتخصيص مليار دينار لصالح صندوق دعم الزواج .

وقالت الحكومة إن المبادرة التي أطلقها الدبيبة في منتصف اب/أغسطس الماضي تستهدف 50 ألف شاب وشابة على مستوى ليبيا، وتسعى لتعزيز الترابط والتماسك بين الشباب الليبي، بعد عشرية شهدت انقسامات بين أطياف وأفراد المجتمع.

إلا أن انتشار هذا التقرير ألقى التهم على الحكومة بتشجيعها لزواج القاصرات وبعدم وضعها لقوانين وتشريعات تنظم مبادرة دعم الزواج هذه وتحمي القاصرات من الاستغلال، للحصول على هذه المنحة.

حيث لم تضع الحكومة عمرا معينا للاستفادة من هذه المنحة ورغم أن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة قال إنه سينظم المنحة بشكل أكبر إلا أن أيا من ذلك لم يحصل حتى الآن .

غطاء قانوني

زواج القاصرات في ليبيا ظاهرة لم تنتشر على المستوى الواسع والمخيف، إلا أنها موجودة بشكل فعلي بأرقام متوسطة، وتقع الانتقادات على القانون الليبي في هذه القضية نتيجة لعدم توفيره الأرضية المناسبة لحماية هذه الفئة من الاستغلال أو التزويج القسري أو حتى الزواج بالرضا في الوقت الذي لا تمتلك القاصر المؤهلات الفكرية اللازمة لتحديد مصيرها الحياتي .

فطبقاً لقانون الأحوال الشخصية الليبي، فالأهلية تكتمل بالعقل وبلوغ سن الرشد التي حددها القانون رقم 10 لسنة 1984 بعشرين سنة، أما قبلها فلا يستطيع الشخص أن يباشر عقد الزواج بنفسه إلا بإذن من المحكمة تصدره لمصلحة تراها أو ضرورة تقدرها وذلك بعد موافقة الولي، إلا أن هذا القانون قد أدخل عليه عدد من التعديلات لسنة 2015 أهمها تخفيض سن الأهلية للزواج إلى 18 سنة.

إلا أن الثغرة القانونية التي اعتمد عليها الأهالي في ليبيا وقاموا بإنفاذ زواج القاصرات من خلالها هي «الإذن القضائي» حيث يقوم ولي أمر الفتاة القاصر دون السن القانونية بعرضها على قاضٍ لمعرفة أهليّتها وملابسات زواجها .

فوفقا للقانون رقم 14 لسنة 2015 في الفقرة باء «يتقدم ولي أمر الطفلة القاصر والتي لم تبلغ سن الثامنة عشرة بطلب للمحكمة بشأن تزويج موكلته ويستدعي قاضي المحكمة الابنة لأخذ موافقتها بالزواج من دون إجبار من موكلها، ومن ثم يتحدث معها ويقر القاضي من بعد ذلك إمكانية زواجها من عدمه» وعادة يوافق قاضي المحكمة في تزويج فتيات في سن الثانية عشرة ويحيل بطلب كتابي للمأذون الشرعي بعقد القران.

وحسب دراسة أجريت في مدينة غريان في عام 2017 ووفقا لمكتب الإحصائيات في محكمة غريان الابتدائية، بلغ عدد حالات زواج وطلاق القاصرات 141 حالة وارتفع العدد إلى 192 حالة زواج وطلاق قاصرات خلال عام 2018 ومن خلال هذه الدراسة أغلب حالات الطلاق ما بين سن 15 ــ 16 سنة وهناك حالات محدودة دون سن 15 سنة .

وفي عام 2018 أعلنت صحيفة عربية أنها حصلت من مصدر قضائي في مجمّع محاكم طرابلس على معلومات تفيد، بأنّ 186 زواجاً لقصّر سجّلها مجمّع المحاكم ما بين عام 2011 وعام 2017 في طرابلس لوحدها، من بينها 36 زواجاً بين طفلَين لا تتعدى سنّ الزوج فيها 16 عاماً والزوجة 14 عاماً.

وينقسم المتتبعون والمحللون للمشهد في موقفهم تجاه هذه القضية إلى قسمين، فمنهم من يرى أن المسؤولية الأولى ملقاة على عاتق القانون، لأنه لم يوفر الحماية اللازمة لهذه الفئة من الزواج بالإكراه، والتزويج في سن مبكر، بل شرع ذلك بثغرة قانونية وأصبح ذلك مباحا للجميع بل تفاقم في القرى والمدن الصغيرة البعيدة عن العاصمة طرابلس .

القسم الآخر يحمل المسؤولية الأولى والأخيرة على القاضي الذي منح الإذن الشرعي لتزويج الفتاة قبل بلوغها السن القانوني من دون مبرر كاف، حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن هذه المادة صيغت للدواعي الضرورية والإنسانية إلا أنها وعن طريق القضاة أسيئ استعمالها، وأصبحت نافذة لتزويج المزيد من القاصرات تحت ذريعة القانون .

وينتشر تزويج القاصرات بشكل أكبر في ليبيا في المدن الجنوبية وفي القرى الصغيرة البعيدة عن الأعين، نتيجة لاختلاف الثقافات وبعدهم عن حياة المدينة، إلا أن ذلك لا يعني أن هذه الظاهرة غائبة في العاصمة طرابلس وفي بنغازي بل إنها موجودة وبكثرة هناك أيضا .

معاناة طفلة

تقول فاطمة 19 سنة من سكان مدينة سبها الليبية الواقعة في الجنوب، في حديث مع «القدس العربي»: «تزوجت وأنا أبلغ من العمر 14 سنة فقط، لم أكن أعي معنى الزواج أو المفهوم الحقيقي له، جاءت عائلة طليقي لخطبتي، وأوصتني أمي بالخروج لهم في مظهر لائق من دون أن أفهم السبب، ثم استوعبت ومن خلال حديثهم وتهامسهم أنهم جاؤوا لخطبتي».

وتتابع فاطمة «قابلت طليقي في ذات اليوم، بعد أن نظموا لنا مقابلة شرعية علمت في المقابلة أنه يكبرني بعشرين سنة، وكانت نظراته لي غريبة ومريبة، ارتعبت كثيرا ولكن أمي ضحكت عندما أخبرتها بذلك. قال لي إني جميلة جدا وأنه سوف يشتري لي ما أشاء عندما يتزوجني وأنني سأعيش أميرة في منزله، ولكن أيا من ذلك لم يحصل».

وأردفت فاطمة : «بعد هذه المقابلة بأيام أخذت أمي يوميا تحثني عن مزايا الزواج وتقول لي أنني سأصبح عروسة جذابة وجميلة وأنني سأرتدي فستانا أبيض جميلا وفوجئت بإخبارها لي بأن أبي وافق وأن عرسي سيكون خلال أسبوعين فقط. لم أكن على دراية بما يحدث في الأعراس وكيف تتعامل الزوجة مع زوجها، ولم أكن موافقة إلا أن أبي وأمي اتخذا القرار نيابة عني بل أخذا نقود المهر الخاصة بي من يوم المقابلة الشرعية من دون حتى استشارتي وأنا كنت طفلة لم أستوعب ما يجري حولي».

وتضيف فاطمة «قبل العرس بأيام اصطحبني والدي إلى القاضي وسألني القاضي هل أنا موافقة على الزواج أو لا؟ ولم يكن بمقدوري المعارضة لأن أبي يقف أمامي، فقلت له فورا أنني موافقة، وما أن عدت إلى المنزل حتى سمعت أصوات الأغاني والفرح والزغاريد، وقد ابتدأ فعليا أسبوع الفرح بفعالياته انشغلت حينها بأقاربي وبالضحك واللعب، إلى أن أتى يوم العرس وفوجئت بأنني أصبحت زوجة لرجل يكبرني بكثير ولا أفهم ما يريد مني وهو لا يفهم ما أريد أنا».

وتضيف «ابتدأت المشاكل بيننا منذ اليوم الأول. كنت طفلة ولا أعي المعنى الحقيقي للزواج، وفوجئت بأنني سوف أقطن مع أمه وأخواته وأبوه وإخوانه في منزل واحد وتحولت من طفلة تلعب وتذهب إلى المدرسة إلى خادمة صغيرة تمسح وتنظف الأرضيات وتطبخ لعائلة كبيرة؛ ثم وبعد أشهر وجدت نفسي حبلى بولد من دون أن أعي حجم هذه المسؤولية؛ وبدون أن يكون في مقدور جسدي تحمل هذا العبء الكبير».

وتتابع «اشتدت المشاكل بيننا، أتعبني الحمل جدا ولم ترحمني عائلته من الطلبات والواجبات، ومنذ أن بدأت في رفض ذلك تغيرت معاملة زوجي لي إلى الأسوأ بكثير وبدأ يضربني، فطلبت الطلاق إلا أن أبي رفض ذلك وأنا أصريت كثيرا حتى وافق، وها أنا الآن أم أمية لطفل، وضحية لزواج فاشل وأنا لم أتجاوز العشرين سنة».

وتختم فاطمة حديثها «أنا لست الأولى ولن أكون الأخيرة في ليبيا وخاصة في الجنوب تنتشر هذه الظاهرة بشكل كبير، وخاصة الآن، ونكون نحن المتضررين الوحيدين من ذلك، حيث نحرم من التعليم وندخل إلى حياة جديدة لا خبرة لنا فيها».

ومن هنا تصاعدت المطالبات بسن تشريعات صحيحة تنظم الزواج في ليبيا أو حتى الاكتفاء بتعديل التشريع بشكل يوفر آلية محددة وبشروط موضوعية ومعايير واضحة لمنح إذن الزواج لقاصر، فضلا عن الزام تقديم خبرة طبية للبت في قدرة الفتاة الجسدية والعقلية والنفسية للإقدام على مثل تلك الخطوة .

المصدر : القدس العربي