الرئيسية » تقارير نسوية » نساء في العالم العربي »  

نتائج تاريخية في الطريق نحو البرلمان.. المرأة العراقية تتخطى "الرؤوس الكبيرة والمال السياسي"
14 تشرين الأول 2021

 

بغداد-نساء FM-بينما كانت تشتد المواجهة بين متظاهري (تشرين) أكتوبر 2019 والأمن، خرجت دنيا بائعة المناديل من وسط الزحام في محاولة لمساعدة المحتجين الذين سالت دماء بعضهم.

اشتهرت دنيا إعلاميا ليتضح فيما بعد معاناتها؛ (يتيمة ولا تحظى برعاية اجتماعية ولا تحصل على راتب ثابت).. ربما يتغير مصير دنيا بعدما أظهرت نتائج أولية فوز 97 امرأة في الانتخابات البرلمانية، في نسبة نادرا ما يشهدها العراق.

واقتنصت المرأة هذا الفوز وسط نسبة مقاطعة غير مسبوقة (41 في المئة) في الانتخابات الخامسة منذ سقوط نظام صدام حسين، وفي وقت لم تشغل فيه النساء في العراق أي منصب رئاسي أو تنفيذي مهم بعد عام 2003.

وبحسب قول البرلمانية السابقة ميسون الدملوجي لموقع "الحرة" إن النساء حصلن على نسبة تصويت مرتفعة بسبب مشاركتهن الفاعلة في تظاهرات تشرين (أكتوبر).

وكان عشرات الآلاف من العراقيين شاركوا في مظاهرات ضخمة احتجاجا على الفساد والتدهور الاقتصادي وتراجع الخدمات العامة.

وتضيف الدملوجي "هذا أمر مفرح جدا يعكس قدرة النساء على التحدي ولا سيما في ظل القانون الانتخابي الجديد"، حيث تتسم أغلب الدوائر الانتخابية بطابع عشائري أو حزبي، معربة عن أملها في زيادة هذه النسبة مستقبلا.

وتتحدث النائبة السابقة ماجدة التميمي عما وصفته بـ"نقلة نوعية جيدة" في هذه الانتخابات تمثلت في منح المرأة صوتها للمرأة، مشيرة إلى تمكن بعض المرشحات الفائزات من تخطي الصعاب أمام "الرؤوس الكبيرة والمال السياسي"، ونجاح نساء شاركن في ثورة تشرين وتشكلت لديهن رغبة بالتغيير.

وترى الناشطة المدنية، سهيلة الأعسم، رئيسة جمعية "فرح العطاء" في العراق، أن هذا الفوز سيسمح للمرأة العراقية بالمشاركة في صنع القرار.

بعيدا عن الفساد.. و"الكوتا"

وأرجعت الأعسم سبب صعود النساء إلى ما سمته بـ"سوء سمعة الرجال في الانتخابات السابقة"، على حد قولها. وأضافت لموقع "الحرة": "مع الأسف أكثر الرجال كانوا متورطين في قضايا فساد".

 

وفي هذا السياق، تتحدث النائبة السابقة نورة البجاري لموقع "الحرة" عما وصفته بالعمل الجدي الذي تخدم المرأة من خلاله شريحة واسعة من الجمهور والمجتمع، وعدم ارتباطها بملفات فساد.

ومن مشاهدتها كنائبة السابقة في الدورة البرلمانية الأخيرة، ترجع ماجدة التميمي ارتفاع نسبة التصويت لصالح النساء إلى التزامهن بحضور الجلسات البرلمانية مقارنة بالأعضاء الرجال، ونشاطهن الملحوظ في المداخلات والرقابة والاستجوابات والمشاريع التنموية في مناطقهن وكذلك الإعلام.

وبحسب التحليل الأولي لنتائج الانتخابات من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تمكنت المرأة من الفوز بـ97 مقعدا، من بينها 57 امرأة فازت بقوتها التصويتية، من دون الحاجة إلى الكوتا.

وتقول الأعسم: "أكثر المرشحات الفائزات حصلن على قوة تصويتية كافية تؤهلهن للفوز، مما يعني أن نظام الكوتا لا دخل له في وصولهن للبرلمان".

ورغم  فوز غالبية المرشحات بالقوة التصويتية من دون أحزاب، "خصوصا التشرينيين والمستقلين" تقول الدملوجي إن نظام الكوتا شجع العراقيات وأجبر الأحزاب على ترشيح النساء.

 

وقد خصص الدستور العراقي نسبة تمثيل ثابتة للمرأة في مجلس النواب لا تقل عن 25 في المئة أي 82 من أصل 329 مقعدا، هي عدد مقاعد البرلمان. وعلى هذا الأساس أقرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (نظام الكوتا) لتمثيلها برلمانيا بأدنى المستويات.

وهنا تعرب الأعسم عن أسفها من  سعي المفوضية لضم من فاز بالقوة التصويتية إلى نظام الكوتا لتأمين نسبة الـ25 في المئة، وأضافت "هذا شيء سيء، ودائما نناقشه ونبحث فيه مع المفوضية والمنظمات الدولية والأمم المتحدة".

إلا أن الخبير القانوني علي التميمي يقول إن نظام الكوتا الحالي لا يتناسب مع نسبة عدد النساء في العراق التي قد تبلغ 60 في المئة من نسبة السكان في العراق.

ويقول إن نظام الكوتا يخالف نص المادة (14) من الدستور العراقي التي تقول إن "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الجنسية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي".

 

وأضاف "أيضا المادة 20 تنص على أنه من حق الجميع الترشيح والانتخاب؛ لهذا يمكن الطعن على نظام الكوتا أمام المحكمة الاتحادية لأنه لا يعطي للمرأة حقوقها الكاملة مثل بلدان العالم، ففي ألمانيا مثلا يتيح نظام الكوتا للنساء تبوأ منصب المستشارة ومناصب عليا أخرى".

ويرى التميمي أنه كان بإمكان المرأة العراقية تأمين نسبة مقاعد أكبر بدون نظام الكوتا، مرجعا ذلك إلى اقتحامهن "الحياة السياسية".

القانون الانتخابي الجديد

وكانت الحكومة سنت قانون تصويت جديدا، قالت إنه سيجلب المزيد من الأصوات المستقلة إلى البرلمان وقد يساهم في الإصلاح.

وجرت الانتخابات، الأحد الماضي، على أساس التصويت الأحادي، مع رفع عدد الدوائر إلى 83 دائرة موزعة على جميع المحافظات، من أجل تشجيع المرشحين المحليين إلى البرلمان على خوض الانتخابات.

وبحسب القانون الانتخابي الجديد، باتت الدوائر الانتخابية مغلقة، إذ فيما كانت كل محافظة عراقية دائرة انتخابية واحدة يجري احتساب الأصوات فيها على قاعدة التمثيل النسبي، أصبح الترشيح في دوائر مصغرة لا يتطلب الانضواء في قوائم وبعدد محدود من المرشحين بحسب عدد السكان في كل دائرة.

 

وتقول ماجدة التميمي إن صغر الرقعة الجغرافية ساهم في حصول المرأة على نسبة أصوات مرتفعة، مما مكنهن من عقد ندوات ومؤتمرات انتخابية بشكل أكبر.

 

وإلى ذلك تقول البجاري لموقع "الحرة" إن قانون الدوائر المتعددة خدم النساء ومنحهن حظا متزايدا، وهذا مؤشر جيد وتطور كبير فيما يتعلق بدعم المرأة وتغيير ثقافة المجتمع تجاه الدور الكبير للمرأة ومزاحمتها الرجال في البرلمان.

وتتوقع البجاري أن تحصل إحدى النساء على منصب نائب رئيس البرلمان في هذه الدورة.

فيما يقول التميمي: "طبعا من حق المرأة أن تشغل المناصب العليا بما في ذلك رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، والحقائب الوزارية، لكننا في العراق نتبع ما يسمى بالأعراف الدستورية والبرلمانية".

وأضاف "لدينا محاصصة ولدى كل كتلة نسبة تمثلها (...) رغم أن النساء تمثل نسبة 60 في المئة من الشعب العراقي لكنهن على الهامش، رغم عددهن الكبير مقارنة بالرجال".

ماذا ننتظر؟

وتأتي هذه النسبة في وقت تنتظر فيه عشرات العراقيات إقرار تشريعات تحميهن من العنف الجسدي والنفسي وكذلك التحرش.

ويرجح حقوقيون سبب تكرار حالات العنف ضد المرأة إلى "عدم وجود قوانين رادعة وضامنة لحقوق المرأة" وإن وجدت لا يتم الالتزام بتطبيقها.

وتشير الدملوجي إلى قانون العنف الأسري، على سبيل المثال، قائلة إنه "موجود على طاولة البرلمان منذ عدة دورات ولم يُشرع".

لكن البجاري تتوقع "إنصافا" لبعض القوانين المهمة الأخرى التي يجب تشريعها برلمانيا، خصوصا تلك المتعلقة بتمكين المرأة اقتصاديا.

وأضافت البجاري "عندما تتمكن المرأة اقتصاديا ستتمكن سياسيا واجتماعيا، وستتشكل قوتها في المجتمع (...) لدينا فقر بنسبة كبيرة جدا في العراق والنساء هن المعيلات لأسرهن، لذا نحتاج لدعم المرأة".

وفي هذا الإطار يشير الخبير القانوني علي التميمي إلى أهمية تأسيس وزارة خاصة بالنساء في العراق.

ويقترح التميمي أن تسعى النائبات الجدد لتشريع قانون تشكل بمقتضاه هيئة خاصة بالأرامل والمطلقات اللاتي وصل عددهن إلى المليون، على حد قوله.

وأضاف "أغلب من يعملون في الشوارع والأسواق هم أبناء للأرامل والمطلقات، الأمر الذي قد يسفر في بعض الأحيان عن جرائم وانحراف سلوك وتشرد".

وفي مقابلة تلفزيونية، قالت دنيا بائعة المناديل إنها تعيش من بيعها للعِلك والمناديل الورقية في شوارع العاصمة، حيث لا تملك راتب رعاية اجتماعية، وتسكن مع خالتها بعدما رفض أخوتها استضافتها في بيوتهم.

ويتشابه حال دنيا، التي لم نتمكن من الوصول إليها لمعرفة أحوالها الآن، مع حال كثيرات يأملن في إقرار وتنفيذ تشريعات تنصفهن.

المصدر : الحرة