
رام الله-نساء (خاص) -FMيتصاعد الجدل الفلسطيني حول قانون حماية الأسرة من العنف الذي ما زالت الحكومة الفلسطينية تماطل بإقراره بعد احتجاج تيارات دينية وعشائرية ضد القانون، بالمقابل تكثف المنظمات النسوية نشاطتها وضغوطها لإقراره في ظل تصاعد معدلات العنف ضد النساء.
وسط هذا الجدل والمعارضة، سجلت فلسطين مقتل 32 امرأة بدوافع متصلة بالعنف ضد النساء منذ بداية العام 2020 وفق رصد جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، وسجلت الخطوط الساخنة للمؤسسات الرسمية والنسوية معدلات متصاعدة من حالات الابلاغ عن تعرض نساء للعنف خاصة خلال الفترة الحجر الصحي المتزامنة مع جائحة كورونا.
وأظهرت بيانات مسح العنف 2019، أن نحو 29% من النساء المتزوجات أو سبق لهن الزواج، تعرضن لأحد أشكال العنف من قبل الزوج مرة على الأقل، وأن 61% منهن فضلن السكوت بشكل كامل، في توجّه 1% منهن فقط إلى مقر الشرطة، أو وحدة حماية الأسرة لتقديم شكوى والحصول على مساعدة.
قانون معلق منذ 15 عام
ومنذ عام 2004 وتحاول المنظمات النسوية الدفع تجاه إقرار قانون الأسرة الذي يوفر الحماية للنساء المعنفات ويحقق لهن العدالة، وتتصاعد هذه المطالب باعتصامات ومسيرات مع وقوع كل جريمة.
وفي بداية العام قامت الحكومة بإقرار مسودة القانون بالقراءة الاولى والثانية، وتم رفعها إلى الرئيس محمود عباس لإقرارها، لكن احتجاجات سياسية دينية وعشائرية ضد إقرار القانون عطلت اقرار المسودة التي تقع في 22 صفحة، وتتضمن 52 مادة، وتركز المواد الأخيرة اعتباراً من المادة رقم 40، على شكل العقوبات المتخذة بحق منتهكي حقوق الأسرة، وتوضيح دور الجهات المختصة في هذا الإطار.
هل قانون الأسرة مختلف عن "سيداو" ؟
تتصدر الاحزاب الدينية خاصة حزب التحرير ورجال العشائر جبهة المعارضة للمشروع القانون، الأمر الذي استدعى بهم إلى النزول إلى الشوراع للاحتجاج ضد اقرار القانون بوصفه جزء من اتفاقية "سيداو" ويتعارض مع الشريعة الاسلامية.
لكن وكيل وزارة التنمية الاجتماعية التي تقدمت بمسودة القانون، الدكتور داوود الديك ، يرى في حديث مع "نساء إف إم" أن قانون حماية الأسرة من العنف شيء و"سيداو" شيء آخر، "سيداو" اتفاقية دولية تعالج موضوع التمييز ضد المرأة وعلى أساس المساواة بين الرجل والمرأة ولم تعالج العنف، في حين أن قانون حماية الأسرة من العنف هو قانون وطني فلسطيني يعالج ظاهرة العنف الأسري من مختلف جوانبه من خلال 52 مادة، مضيفا انه طرأ من حاجة في ظل تزايد معدلات العنف وجود فجوات للتعامل مع هذه الحالات.
ويركز القانون بحسب داود على الحفاظ على وحدة الاسرة وروابطها، وحماية افراد الأسرة من العنف، ومحاسبة الجناة، وإعادة تأهيل ودمج الضحايا والجناة، والوقاية ومنع العنف من خلال سياسات وطنية وخطط استراتيجية وبرامج مشتركة وقطاعية تتميز برؤية لإزالة كافة اشكال العنف.
الديك : الحكومة لن تقر قانون يتعارض الشريعة
يقول الديك: إن القانون يتعرض الى حملة تشويه ورفض مقصودة لاسباب سياسية وخاصة، مضيفا ان الوزارة تأخذ الملاحظات الجدية بعين الاعتبار وتعمل على مراجعتها ومعالجة اي ثغرات او تخوفات للخروج بقانون شامل ومتفق عليه، لكن ما يروج انه يتعارض مع الشريعة هذا أمر غير صحيح، فالحكومة واضحة لن تقر أي قانون يتعارض مع تعاليم الدين الاسلامي أو المسيحي.
لا توجد تعليمات بوقف العمل على القانون
اكد الديك انه لا توجد تعليمات سياسية من اي جهة حكومية بالتوقف عن العمل باستكمال صياغة القانون، مضيفا ان اللجنة المكلفة بالصياغة قاربت على الانتهاء من اجراء التعديلات، وستقوم عقب ذلك بنشر المسودة لأخذ الملاحظات تمهيدا لتقديمه الى مجلس الوزراء مرة اخرى.
عن ماذا يتحدث القانون ؟
بحسب الديك، يتحدث عن العنف داخل الأسرة سواء عنف نفسي أو جسدي أو جنسي أو اقتصادي. وعن الجهات المكلفة بإنفاذ القانون كوزارة التنمية الاجتماعية، وحدة حماية الاسرة في الشرطة، نيابة الاسرة، القضاء المختص.
ويتحدث القانون عن نطاق الحماية ونطاق الأسرة ويعتبرها تتكون من الاعضاء الذين تربطهم علاقة دم أو قرابة حتى الدرجة الثالثة مثل الزوج والزوجة، أو الأفراد الذين بينهم قرابة دم حتى الدرجة الرابعة شريطة أن يعيشوا في مسكن واحد، والأزواج السابقين شريطة أن يكون لديهم أطفال مشتركين، والعاملين في المنازل، وأي طرف مرتبط بالأسرة من خلال التبني (للمسيحيين) والأسر البديلة او الاحتضان (للمسلمين).
واضاف، القانون يتطرق لمسؤوليات مرشد الحماية ودوره في تزويد الضحية بخدمات الحماية والتمكين العلاجي والبحث عن سكن بديل للضحية وللآخرين. وكذلك عن دور الشرطة والنيابة.
ويتطرق إلى عمل خدمات الحماية: المساعدة القانونية، الدعم النفسي الاجتماعي، الخدمات الصحية، الحماية في بيوت الأمان، خدمات الخط الساخن، اعادة الـتأهيل. يتحدث عن أوامر الحماية وعن التحقيق والادعاء والتقاضي.
وبين الديك ان القانون يوضح إجراءات الحماية من امكانية النقل المؤقت للجاني من مكان الإقامة لفترة تحددها السلطة المختصة. يتحدث عن جلسات الاستماع اثناء التحقيق وجمع الادلة والمحاكمة، وتأسيس محكمة مختصة في قضايا الأسرة، يتحدث عن السرية وحماية الخصوصية.
واشار الديك الى أن القانون يسعى الى مساعدة الضحايا من اية رسوم ، وعن الزامية التبليغ من قبل مزودي الخدمات الصحية والتعليمية والقانونية (قطاع حكومي وغير حكومي).وكذلك تتضمن احد مواده عن حماية المبلغين/ المشتكين على العنف.
ولفت الى ان مسودة القانون التي رفعها تتضمن بند الوساطة ويسمح بها لمرة واحدة في حالات الجنح والانتهاكات والخروقات فيما عدا حالات الاعتداء الجنسي. ويمنع الوساطة اذا كانت الضحية من الاطفال أو كبار السن او الاشخاص ذوي الاعاقة. ويتيح القانون للنيابة الحق في المبادرة في الوساطة مع موافقة الطرفين او بالاتفاق معهما.
ويتضمن القانون كذلك جملة من العقوبات ضد العنف الاقتصادي وضد التحرش الجنسي، والعنف الزوجي الجسدي، العنف النفسي، التمييز، التزويج القسري. ومعظم العقوبات المنصوص عليها تأتي ضمن سقف الجنح (أي لا تتعدى 3 سنوات) ما عدا الحالات التي تفضي للوفاة أو احداث اعاقة.
يستند القانون أيضاَ على الجرائم الاخرى التي ينطبق عليها قانون العقوبات، ويدعو الى تشديدها بمقدار النصف أو تشديدها الى الثلثين في حالة الجرائم المرتكبة ضد الاطفال او كبار السن او الاشخاص ذوي الاعاقة.
ولفت الديك الى ان القانون تضمن استبدال عقوبة الحبس بالخدمة المجتمعية للأحكام التي لا تتعدى مدة سنة واحدة.
وقال الديك ان احد مواد القانون تحدث عن اسقاط الحق الشخصي والحالات التي يسمح فيها بهذا الحق. حيث يمنع اسقاط الحق الشخصي اذا كانت الضحية تحت سن 18 عام او من الاشخاص ذوي الاعاقة او من كبار السن.
كما "ان القانون يحظر نشر التقارير الطبية والاجتماعية او اية وثائق اخرى متعلقة بالعنف الاسري. ويمنع وسائل الاعلام ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي من نشر او ذكر اسم الضحايا او صورها"، بحسب الديك.
وبين أن القانون منح المحكمة الشرعية سحب الوصاية والحضانة من ولي الأمر اذا ثبت ارتكابه للعنف.
معارضة سياسية بصبغة دينية
ويشير المحاضر بالشريعة الإسلامية، وعضو رابطة علماء المسلمين، الدكتور بلال زرينة، في حديث مع "نساء إف إم" الى أن رفض بعض الجهات اقرار قانونة حماية الأسرة يحمل أسباباً سياسية، وإن كان ظاهرها دينياً، ويندرج تحت إطار "مناكفة" ومعارضة السلطة.
واضاف الاساس ان ينظر الى القانون نظرة إيجابية على ضوء تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية التي تحث على العدل واحترام كرامة الإنسان، وهو ما يتحقق في بنود القانون.
وبين انه تمحص مسودة القانون ولم يجد فيه ما يخالف نصوص الشريعة الاسلامية، وكل ما اثير من معارضة من قبل افراد وجماعات او هيئات دينية هي مخاوف غير موجودة بالاساس بالقانون ولم تكن مخاوفهم ضمن مخالفة الشريعة الاسلامية ومقاصدها.
وبين ان بيان صدر من رابطة علماء الشريعة الاسلامية في فلسطين يتضمن رفضهم للقانون باعتباره يتعارض مع الشريعة الاسلامية غير صحيح، ويتضح ان التوجسات والتخوفات نابعة من معارضة سياسية وليس دينية .
واضاف، ان دول مجاورة اسلامية تبنت هذا القانون ولم نسمع عن معارضة دينية وانه مخالف للشريعة الاسلامية، ولم يدمر الأسرة ويفككها كما يتم الترويج له في فلسطين.
القانون لا يخالف الشريعة الاسلامية
وفند زرينة بعض التهم والتوجسات التي الصقت بالقانون من قبل بعض الأحزاب والجمعات والهيئات الدينية والعشائرية، ومن بين هذه المخاوف التي تم طرحها، انتهاك خصوصية الأسرة، بحيث يسمح للزوجة والابن والبنت والجيران والمحيط التبليغ والشكوى في حال وقوع حالة عنف، بحسب هيئة رابطة علماء مسلمين فلسطين، لافتا أن التبليغ لا يخالف الشريعة الاسلامية بل يحقق مقاصدها التي تدعو الى رفع الأذى والظلم.
وحول تعزيز القيم المتحررة، أوضح أن الاسلام منح الانسان حريته الفكرية وأن كانت مقيدة وبحدود كما حث على استقلاليته الشخصية، وانه لم يجد بين هذه القيمة واي مخالفة للشريعة، وان هنا الافتراض لسوء النية فقط لتشويه القانون.
فهم خاطئ لمفهوم السلطة التأديبية
وحول قضية ان القانون يلغي السلطة التأديبية والاعتبارية او الدينية للوالدين، قال زرينة: إن الشريعة ترفض العنف ضد الانسان بما فيها المرأة والطفل ".."، وهنا يبدو ان هناك فهم تقليدي لموضوع الاخضاع والتأديب باعتبارها سلطة دينية عند هذه الجماعات، وهذا غير صحيح، حيث أن الاسلام بالأساس كرم الإنسان، والاعتقاد ان التأديب يجب ان يتم بالعنف المادي يحتاج الى مراجعة لدى هذه الجماعة ولا يتناسب مع روح العصر، حيث ان الجماعة ما زالت تؤمن أن ضرب الزوجة لاخضاعهن دون ترك أثر مقصد ديني.
وبين ان مخاوف المعارضين هنا يكمن بمنع القانون الأب (الرجل) من سلطة الضرب للابناء وزوجته، وتحصين انفسهم بعدم الملاحقة القانونية.
"عدم التمييز" يختلف عن مفهوم "سيداو"
وحول أن القانون يدعو الى المساواة التامة ويلغي الفروق الوظيفية بين الجنسين ، أوضح زرينة، انه لم يجد بالقانون ما يلغي الفروق الوظيفية او البيولوجية لكن القانون جرم التمييز الذي يحط من الكرامة الانسانية والتمييز على أساس بيولوجي.
وبين أن هذا مفهوم التمييز هنا تم توضيحه وتعريفه بالقانون وهو يختلف عن مفهوم المساواة وعدم التمييز في "سيداو"، موضحا ان القصد كان هنا عدم المساواة والتفريق على اساس بيولوجي لايقاع الظلم.
وبحسب تعريف التمييز بالمادة الأولى بالقانون: "كل تفرقة او تقييد او استبعاد يمارسه أحد افراد الأسره على غيره على أساس الجنس ويكون من اثاره إهانه او اجحاف أو مس بالحقوق الانسانية والحريات الاساسية".
وبين أن هذا الشرط قيد بأن يكون اضراره إهانة او اجحاض وانكار.
المثيلة :
يقول استاذ الشريعة زرينة إنه لم يجد بالقانون ما يبيح هذه الحالة وكل ما يروج له غير صحيح.
رفع الوصاية عن المرأة لا يخالف الشريعة
يقول زرينة في هذا السياق: إن قانون الاحوال الشخصية المبني على اجتهادات فقهية غير متفق عليها، بمعنى انها قابلة للتغيير والتطوير.
وبين أن هذه الاحكام اجتهاد فقهي وهناك اختلاف بين الائمة الثلاثة والأمام ابو حنيفة الذي قال: لا يوجد ولاية للمرأة البالغة العاقلة. وتساءل زرينة حول الضرر الذي يمكن ان يقع في حال تقرر منح المرأة البالغة العاقلة الراشدة حق تزويج نفسها وعدم اعتبارها قاصر، حيث استهشد برفع السعودية الوصاية عن المرأة.
وبين ان القانون الفلسطيني الحالي المتناقض أجاز للمرأة التي سبق لها الزواج بتزويج نفسها بغض النظر عن عمرها، بينما البنت البكر التي بلغ عمرها ما بلغ وما تحمله من درجة علمية لا يحق لها تزويج نفسها، لافتا الى ان هذا التناقض غير مفهوم. واستدرك ان ذلك لا يعني ان القانون ضد الولي، وهذا لا يعني ان اسقاط الولاية للفتاة البالغة العاقلة أن لا تتم مشاورة العائلة بقضية الزواج.
القانون لا يبيح "الزنا"
وبين الدكتور أن القانون لم يجد ما ينص على ايجازة العلاقات الزوجية خارج اطار الزوجية "الزنى"، وما يروج حول ذلك غير صحيح.
"التبني والكفالة" جزئية ليس خاصة بالمسلمين
وحول المعترضين على بند التبني في القانون، بين القانون يجيز ذلك لغير المسلمين ممن يقيمون في فلسطين، وهو ما اكده القائمين على القانون.
وخلص زرينة الى ان اي مخاوف في بعض البنود المحدودة يمكن النقاش بها وتقيدها لتبديد اي مخاوف.
تفاؤل محدود بإقرار القانون
وترى مديرة مركز "تام لإعلام وتنمية المرأة -تام سهير فراج، في حديث مع "نساء إف إم" أن فرص إقرار القانون بالوقت القريب معدومة، مضيفة ان الحركات النسوية غير متفائلة بأن يتم اقرار القانون بالوقت القريب بالرغم من ان معدلات العنف ضد النساء والأسرة الفلسطينية ككل بتزايد.
وارجعت ذلك الى ان قضايا النساء وحمايتهن ليست ضمن أولويات الحكومة.
حملات مجتمعية للفت الانتباه
تقول فراج "إن النساء تسعى من خلال تنظيم حملات مجتمعية اظهار ان مطالب اقرار قانون يحمي الأسرة من العنف مطلب مجتمعي، ولإبعاد التهم التي تحاول بعض الفئات من اظهار ان القانون مطلب من قبل جميعات نسوية مستفيدة من تمويل هنا وهناك، حيث تم تنظيم ورش عمل واطلاق حملات توعوية حول اهمية وجود القانون ".
معارضة متطرفة مستفيدة من العنف
وتقول إن الجهات المعارضة للقانون لديهم مصالح عشائرية واقتصادية واجتماعية مستفيدة من العنف، وتقوم بتغليف معارضتها بصبغات دينية، بالاضافة إلى أنه تم استغلالها من قبل تيارات دينية لاظهار نفسها بالمجتمع".
وتقول فراج: "إنه لا يوجد مشكلة مع وجهات النظر التي تعارض القانون بشكل سلمي يمكن مناقشتها، لكن الخطير أن بعض هذه التيارات بدأت معارضة عنيفة من تخوين وتكفير وتهديد حياة من يدعو الى تطبيق القانون".
وفي هذا السياق يقول الدكتور الديك، "إن التهديد باللجوء الى العنف والتخوين وتهديد السلم الاهلي مرفوض وسيجابه من قبل الدولة، لكن هذا لن يخفينا ولن يثنينا عن إقرار القانون بعد استكمال مراحل صياغته ومناقشته".