الرئيسية » تقارير نسوية » مقالات »  

"اثبات النسب " للكاتبة حنان كامل الشيخ
19 تشرين الأول 2017

وكالات - نساء FM :- كنا وحتى وقت قريب نعتقد أن قضايا إثبات النسب المرفوعة ضد أشخاص في دول الغرب، ستظل قضايا غربية حصرية ولا دخل لنا بها. حتى بدأت تدخل إلى معارفنا البعيدة والقريبة، قصص مشابهة لحالات تطالب بإثبات نسبها إلى آباء غير معترفين بأبوتهم، ولأسباب موغلة في الأنانية والانتقام يحملها أغلبية رافضي إثبات النسب، فيما يتمسك قلة منهم بحقهم الإنساني والقانوني بعدم الإثبات، لأسباب واقعية وحقيقية ومثبتة.
في السنوات القليلة الفائتة طفت إلي السطح قضايا مشابهة تتعلق بفنانين عرب، رفعت زوجاتهم قضايا تطالب بإثبات نسب أولادهن منهم، على الرغم من عدم ثبوت واقعة الزواج بشكل رسمي. وكانت ردود الفعل متباينة، وما تزال، تجاه هذا الإفصاح الصارخ لقصص لم تكن المجتمعات العربية تعتقد أنها تعيش بين أحيائها القريبة. باعتبار أن ثبوت الأبوة مرهون فقط بثبوت الزواج الرسمي. وغير ذلك هو خارج عن السياق المقبول، وشاذ على التفهم الجمعي. 
أول من أمس خرجت علينا صحيفة الغد بقصة تابعتها بطول بال معتاد، الزميلة نادين النمري، بطلاها مراهقان صغيران عاشا طفولة بائسة في الطريق الواصل ما بين بيت الجد الرافض لإثبات نسبيهما، ودار رعاية تابعة لجمعية خيرية. دفع الصغيران أجمل أيام عمريهما ثمنا لخطأ ارتكبه الوالدان حين قررا أن يرتبطا بعقد زواج عرفي، وعدم تحويله إلى عقد رسمي حتى بعد أن رزقا بطفليهما، ما أجبر الأب في وقت لاحق على الرضوخ لعادات وتقاليد الأسرة التي رفضت الاعتراف بالولدين، وفضلت أن يتربيا خارج حضن العائلة، خصوصا بعد أن تخلت أمهما بشكل مفاجئ عنهما، وتركتهما لمصيرهما الصعب.
لم يكن بيد الطفلين حيلة إلا الرضوخ لقدرهما المحتوم، بدون أن يكون لهما أدنى حق في الرعاية والحب والمتابعة من قبل أب قبل بقرارات والده بالتخلي عنهما، وأم حرقت جميع مراكبها قبل أن تغادر البلاد. ثم وعلى طريقة الدراما العربية التي أتحفتنا بروايات كنا نعتقد أنها خيالية، أصاب الأب مرض عضال، وهو نفسه الذي قرر أن يرفع قضية إثبات نسب ولديه له، ربما ليواجه ربه بقلب سليم، بعد أن ينقضي أمر الله. 
وهذا ما حصل فعلا كما أشارت الزميلة نادين، حيث لجأت عمة الولدين بعد ذلك إلى أروقة المحاكم لتتابع بنفسها قضية إثبات النسب، وتحقق وصية أخيها الذي وافته المنية قبل أن يصدر الحكم. 
الحكم صدر أخيرا لصالح الصغيرين، لينهي بطريقة تراجيدية قصة مؤلمة بمساهمة مواد قانون الأحوال المدنية الخاصة بمثل تلك الحالات، والذي لا يعترف بالأبناء دون تثبيت عقد زواج الأبوين بشكل رسمي. هذا القصور في فهم روح القانون يتعارض كليا مع حق الأطفال في النسب والذي نصت عليه الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وصانته من قبلها الشريعة الإسلامية والأديان السماوية.
ثم يأتي دور المجتمع والذي قلنا في البداية إنه لم يعتد التعامل مع هكذا أحداث وقضايا. حيث لا يمكن أن ننفي عن مجتمعنا حقيقة عدم تقبله جملة وموضوعا لأبناء خارج عقود الزواج الرسمية، خصوصا لو أنها حدثت في بلادنا العربية. إنما لو كان الأمر آتيا من دول الغرب، وحتى لو بأبوة واحد من أبنائه، فإن المجتمع يتقبل على مضض القبول بأبناء هذه الارتباطات غير الرسمية، على اعتبار أنها حكايات بعيدة عن مدار القرية أو البلدة أو المدينة. 
المحزن أن تحدث مشاهد وتفاصيل الحكايات بين ظهرانينا، فنمضي إلى إخفاء محصلاتها خلف ظهورنا عن عمد. ما الذنب الذي اقترفه هؤلاء الأطفال ليحرموا من حقهم الطبيعي في النسب والإلحاق بالأسرة؟  ولماذا تتهرب بعض العائلات من مسؤلياتها الأخلاقية والإنسانية والقانونية دون أن يرف لها جفن أمام نظرات أطفال يُتموا وآباؤهم على قيد الحياة؟
ليتنا نعيد النظر في  ضمائرنا المستيقظة أمام الآخرين والشاشات والمجتمعات الزائفة، فنزيل عنها كآبة التجمل وجنون النفاق، من أجل أن يرضى آخرون عن هيئتنا، فيما داخلنا يجاهد من أجل إن يحظى بطمأنينة الفطرة السليمة.