الرئيسية » تقارير نسوية » نساء حول العالم »  

تجارب نسائية صعبة.. لماذا يتركني زوجي عندما يهدد المرض حياتي؟
24 حزيران 2020

 

رام الله-نساء FM-عندما كانت كريستي سانشيز في الـ12 من عمرها، كان لديها أفضل زوج أم في العالم، يتمتع بشخصية جذابة وذكية ويعلمها موسيقى جديدة ويصحبها في نزهة أسبوعية.

لكن كل شيء تغير بعد تشخيص والدتها بسرطان الثدي في المرحلة الرابعة، وكانت حالتها خطيرة لدرجة أنها أجرت عملية استئصال لثدييها وعقدها الليمفاوية وللمبيضين بعد أيام من تشخيصها.

الكاتبة بوبي نور سلطت الضوء على هذه القصة في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، وأوضحت أن زوج أم كريستي كان متفائلا، وحضر مع زوجته مواعيدها الطبية، وكان يعد وجبات الطعام ويسهر على رعاية الأطفال.

ولكن خلال أسبوع، عادت ساندرا إلى العمل، وبعد أسبوعين، عادت للقيام بشؤون المنزل من طبخ وتنظيف وغير ذلك. وبعد 6 أشهر، تغير موقف زوج أمها بالكامل، حيث ذكرت كريستي أن والدتها بمجرد أن بدأت العلاج الكيميائي ورأى كيف تدهورت صحتها، حتى انسحب من حياتهم.

 

تجارب نسائية صعبة

وشاركت كريستي تجربتها من خلال تعليقها على تغريدة قيل فيها "أختي أصيبت بسرطان من الدرجة الرابعة، ولكن زوجها السابق اشتكى من عدم قيامها بدورها في التنظيف. لن أنسى ذلك طوال حياتي". كانت هذه التغريدة نقطة بداية موجة من التعليقات المشابهة، مثل "أصيبت أمي بسرطان من الدرجة الرابعة، لكن أبي وأخي تركاها تقوم بالتنظيف كل يوم حتى ماتت!".

وأوضحت الكاتبة أن معظم الناس -بغض النظر عن الجنس- لا يهجرون شركاءهم عندما يمرضون. وفي بحث نشر عام 2015، تتبع الباحثون 2701 زوج باستخدام دراسة عن الصحة والتقاعد، وراقبوا ما حدث عندما أصبح أحد الشريكين مريضا، ووجدت الدراسة أن 6% فقط من الحالات انتهت بالطلاق.

لكن الدراسة نفسها أظهرت أنه عند مغادرة أحد الشريكين، فإن الذي يغادر عادة ما يكون الرجل. كما وجدت دراسة نشرت عام 2009 أن الرجال يهجرون شريكاتهم أكثر بمعدل 7 مرات مقارنة بالنساء، إذا أصيب أحدهما بسرطان الدماغ.

وفي حالة كريستي، كان هذا يعني مشاهدة زوج والدتها يتحول من كونه شابا نشيطا ومحبا إلى مراهق متهور وغير مسؤول. كان يذهب إلى غرفته ويجلس أمام حاسوبه بمجرد دخول زوجته البيت، ويتركها تطبخ وتنظف أثناء الخضوع للعلاج الكيميائي. عندها، اتخذت كريستي وأخوها وأمها قرارا مواصلة العيش من دونه حتى تشفى من السرطان.

اختلاف مفهوم الرعاية

ورغم أن التوقعات المتعلقة بالنوع الاجتماعي حول العمل المنزلي يجب أن تكون قد تغيرت في العقود القليلة الماضية، فإن النساء في الحقيقة يتمتعن بفرص متساوية تقريبا في مكان العمل، إضافة إلى أنهن المعيلات الرئيسيات في 41% من المنازل الأميركية.

تقول عالمة الاجتماع في جامعة ألاباما مايكي ثومير -والتي تدرس كيفية تأثير الجنس (ذكر أو أنثى) على الأزواج عندما يمرض الشريك- إن معظم الأزواج يفهمون أنهم بحاجة لدعم شركائهم إذا مرضوا، غير أن الرجال والنساء يفسرون مفهوم الرعاية بشكل مختلف تماما.

ويرى الرجال مرض النساء بطريقة ميكانيكية تقريبا، فهم يعتبرونها مشكلة يجب حلها. يمكن للرجال الفصل بين المهام الجسدية الواضحة والفورية التي تنتج عن المرض، بينما يتغاضون عن متطلبات تقديم الرعاية الأخرى كالرعاية العاطفية أو الأعمال المنزلية.

العادات اليومية قبل المرض

ولهذا تستمر النساء بالقيام بالعمل، وعندما يعزفن عن ذلك، تنشأ مشاكل. وقد استخدم باحثون في ألمانيا عام 2018، عينة تمثيلية على المستوى الوطني لإظهار أن النساء يواصلن أداء قدر غير متساو من الأعمال المنزلية أثناء مرضهن، إذا كانت هذه هي العادات اليومية في العلاقة قبل أن يصبحن مريضات

في المقابل، قد تكون العلاقات جيدة عندما تمرض المرأة وتتطلب رعاية مكثفة من شريكها. ولكن في الحالات التي لا تكون فيها الرعاية ضرورية، يميل الرجال للتقليل من خطورة أعراض المرأة ويرون أنها مكتفية ذاتيا، ويتوقعون منها أن تطلب المساعدة بدلا من تقديمها بصفة استباقية.

وفي حالة أخرى، عندما عادت دانا هيرد بعد استئصال وقائي لثدييها، كان شريكها يعتقد أنها ملزمة بإنجاز أي شيء تستطيع القيام به، دون التفكير فيما إذا كانت فكرة جيدة أو إذا كان الأفضل مساعدتها. وفي الأشهر التي تلت العملية الجراحية، كان لدى هيرد موسعات أنسجة في صدرها وكانت صلبة ومؤلمة، لكنها كانت لا تزال قادرة على المشي.

 

وفي منتصف فصل الشتاء الثلجي البارد، بدأ شريكها يتوقع منها أن تأخذ كلبه -الذي يزن 45 رطلا- في نزهة يومية، بعد 5 أسابيع فقط من الجراحة. وعلقت هيرد بأسى "لم يهتم لحقيقة أنني يمكن أن أموت إذا سحبني الكلب إلى الأمام".

وفي كثير من الحالات، تقوم النساء بهذا العمل عن طيب خاطر. وتظهر دراسات أجريت على النساء المصابات بسرطان الثدي أنهن يملن للشعور بالذنب بسبب إثقال كاهل مقدمي الرعاية، لذلك يفرطن في التعويض عما جرى. ويضعن حدودا للمساعدة التي يقبلنها، ويواصلن القيام بالأعمال المنزلية التي يمكنهن إنجازها، مع تقديمهن الدعم العاطفي لمقدمي الرعاية.

خرافة توزيع الأدوار

وتكمن المشكلة في أن هذا التقسيم غير عملي على المدى الطويل. لذلك، يتعين على الرجال بدلا من ذلك تحمّل المسؤولية وتعلم كيفية القيام بهذه الأعمال عندما تمرض شريكاتهم، نظرا لأن الزوجة تكون غير قادرة على القيام بمهامها المعتادة.

وذكرت الكاتبة أن زوج هيرد بدأ يتذمر عندما لم تعد ترغب في ممارسة العلاقة الزوجية معه. فكانت تنتابه نوبات غضب لأنها لم تكن تظهر له القدر الكافي من الحب بعد أن خضعت لعملية استئصال الثدي.

كما اتهمها بإهمال احتياجاته الشخصية، وقطع عنها تأمينه الصحي بحجة أنها "تعامله مثل رفيق في السكن". ولهذا السبب، بدأت تناول مسكنات الألم وممارسة العلاقة الزوجية معه لأنها لم يكن أمامها خيار آخر.

وبالنسبة لميريديث زابا، فقد شهدت هذه المرحلة بعد 5 أسابيع من دخول والدتها المستشفى بسبب نوبة قلبية خطيرة. إذ هجرها زوجها أندي بينما كانت في وحدة العناية المركزة (تم تغيير الاسمين)، زاعما بأنه أصغر من أن يعيش مع شخص مريض للغاية، علما بأنه يبلغ من العمر 50 سنة. وعندما أرسل لوالدتها رسالة أعلن فيها تخليه عنها، كان على ميريديث إعلام والدتها بالخبر

صُدمت ميريديث، فقد أصيب أندي قبل بضعة أسابيع فقط بحصى في الكلى، وكانت والدتها تعتني به باستمرار وتجلب له الطعام وتتابع أطبائه للاطمئنان على صحته، ولكن عندما مرضت والدتها، طلب أندي من ميريديث التعامل مع الأطباء.

في الواقع، ما أصبح جليا لميريديث بشكل متزايد هو التوقعات التي قد يكون الرجال والنساء على استعداد لتقبّلها حين يتعلق الأمر بتقديم الرعاية. تقول "لم تكن والدتي تطلب من أخي القيام بأي شيء، لم تكن تريد إزعاجه، حيث كانت تقول إنه لا يجيد القيام بهذه الأمور".

وهذه "الخرافات الأسرية" -على غرار أن المرأة أفضل من الرجل في أداء مهام معينة، أو أن الرجال غير قادرين على أداء المهام المطلوبة منهم بشكل جيد- غالبا ما تُستخدم لتبرير التقسيم غير المتكافئ للأدوار في العلاقة، وبالتالي يستمر التوزيع غير المتكافئ.

بالنسبة لوالدة ميريديث، فقد كان تقديم الرعاية من مهام المرأة. وهذا كان رأي والدة أندي التي أكّدت أن ابنها كان أصغر من أن يلعب دورا في تقديم الرعاية. وتشير ثومير إن "الأبحاث تُظهر لنا باستمرار أن المرأة لا تحظى بتقدير كبير عندما تقوم بهذه المهمة، بحجة أن هذا ما تفعله دائما، حتى لو كانت تبذل مجهودا إضافيا في ذلك".

النساء يقدمن رعاية  أفضل

من ناحية أخرى، تؤكّد الأبحاث حقيقة أن الرجال يستفيدون بشكل كبير من رعاية النساء لهم. بعبارة أخرى، يعاني الرجال أكثر بكثير عند موت الزوجة، ويرجع ذلك جزئيا إلى حقيقة أنهم يكتسبون دعما أكبر من الزواج أكثر من النساء. ولكن عندما تموت شريكته، فمن المرجح أن ينطلق في البحث عن شريكة أخرى، بينما تتجنب النساء الزواج بعد وفاة شركائهن، لأنهن يُدركن أن ذلك سيتطلب المزيد من الرعاية، على حد تعبير ثومير.

وخلصت الكاتبة إلى حقيقة أن النساء يعتقدن أنهن يجب أن يكن مقدمات الرعاية حتى أنهن لا يفكرن بإراحة أنفسهن. وتؤكد ميريديث على ضرورة أن "يقدّم الرجال الحب والرعاية للآخرين، مثلما يتعاملون مع أنفسهم".

 

المصدر : غارديان