الرئيسية » تقارير نسوية » نساء في العالم العربي »  

الخلع وسيلة المصريات للهروب من ثغرات قانون الأحوال الشخصية
21 كانون الثاني 2020

 

القاهرة-نساءFM-لسنوات طويلة، ظلت المصريات يلهثن في أروقة المحاكم بحثا عن حكم قضائي يطول انتظاره، يسعين من خلاله للحصول على الطلاق.

سنوات يضيع معها العمر والصحة والمال، نتيجة المكايدة بين الزوجين وثغرات قانونية حرمت النساء من حق عدم الاستمرار في زواج غير عادل. واستمر العمل بقانون الأحوال الشخصية منذ 1920 وحتى صدور قانون الخلع عام 2000. وبعد عشرين عاما هل أنصف القانون الزوجين؟

"هناء م" سيدة مصرية حاصرتها الظروف القاهرة التي دفعتها إلى خلع زوجها بعد أن ماطل في إجراءات الطلاق، لتقرر في النهاية أن تتجه إلى محكمة الأسرة لتنهي العلاقة الزوجية رغما عن زوجها.

تروي هناء قصتها للجزيرة نت: "استمر الزواج نحو ست سنوات، أكثر من نصفها داخل المحاكم، حتى استطعت في النهاية الحصول على حكم محكمة بالخلع".

وأضافت "زوجي كان يستغلني ماديا، حيث طلب الشبكة بعد سابع يوم زواج بحجة دفع أقساط الشقة التي قام بتجهيزها، ومن هنا بدأت سلسلة التنازلات المادية، حيث طلب أموالا أخرى بقيمة مئة ألف جنيه (نحو 6 آلاف و300 دولار)، مطالبا بالتصرف في المبلغ من أهلي، بحجة استخدامها في الشركة التي يعمل بها"، مؤكدة أن علاقتهما لم تخل من التجاوزات والإهانات والضرب.

ترى هناء أنه رغم تجربتها المريرة فإنها سعيدة الحظ لأنها لم تنجب من زوجها، معتبرة أن أجمل ما في قصتها المأساوية أنها استطاعت أن تحصل على حكم بالخلع من زوجها الذي تركها "كالمعلقة"، على حسب وصفه؛ فهي ليست متزوجة ولا مطلقة، مشيرة إلى أنها خرجت من المنزل بملابسها وتنازلت بموجب حكم الخلع عن حقوقها الزوجية.

حالة داليا تتشابه مع هناء؛ فلم تكن داليا تتوقع أنها ستغادر منزل الزوجية بنهاية مأساوية، لكنها أدركت مؤخرا أن زواجها كان أكذوبة، وأن حبها لزوجها ليس سوى بداية النهاية لقصة زواج فاشلة، كتبت نهايتها بين جدران محكمة الأسرة، التي توجهت لها تطلب الخلع بعد رفض زوجها الطلاق.

وبمجرد حكم المحكمة بالخلع اتجهت داليا إلى طقس رغم غرابته فإنه أصبح أكثر انتشارا بين السيدات، حيث قامت بتنظيم حفلة احتفالا بالخلع.

وعبر حسابها على فيسبوك، تقول داليا "قررت أن أنأى بنفسي بعيدا عن أي ضغوط ومشاكل، وأن أتفرغ لتربية ابني الذي اعتبره أجمل نعمة في حياتي من الله، بعد أن بقيت في علاقة زواج فاشلة مدتها 4 أعوام".

أرقام مفزعة

وحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أغلب أحكام الطلاق التي وقعت عام 2018 تمت بالخلع بنسبة 84%.

وظهرت قضايا الخلع في المجتمع المصري في بداية الألفية، حينما أقره قانون الأحوال الشخصية بالمادة (20) من القانون رقم (1) لسنة 2000، حيث نص قانون الخلع على أنه للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه، ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين وندبها حكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما، خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر.

ومع تعديلات قانون جديد للأحوال الشخصية الذي ما زال في طور المناقشة بالبرلمان المصري؛ فإن القانون في نسخته قبل النهائية ينص على احتفاظ الأم بحضانة الأطفال ونفقتهم، ولا يجوز الطعن على الحكم بأي من طرق الطعن.

ويتخوف "ح. أحمد" -خلال حديثه للجزيرة نت- على أبنائه بعد قرار الخلع الذي صدر ضده من زوجته، بعد أن ظل مرتبطا بها نحو 22 سنة، لافتا إلى أن الخلافات مع زوجته أنهكته نفسيا وصحيا.

وقال ح. أحمد "إن أكثر ما يؤلمه تداعيات الخلافات على أبنائه، حيث أصبح من الصعوبة أن يراهم، بالإضافة إلى أن هذه القضايا توالت عليه حيث رفعت عليه الزوجة دعوى برفع النفقة، وأجر حضانة حتى بات يعيش في شقة مؤجرة".

وأضاف أن الخلع كان مفاجأة بالنسبة له، حيث قضى على جميع ثروته بعد أن كتب أملاكه لزوجته قبل الخلع، وحصلت على الشقة وقطعة أرض خاصة به.

الخلع لأسباب قهرية

وأوضح الخبير القانوني وائل سيد المحامي بالنقض والدستورية العليا للجزيرة نت أن التباطؤ في إجراءات التقاضي يجعل السيدات يتجهن للخلع، حتى وإن كان هذا على حساب تنازلهن عن المهر أو مؤخر الصداق.

ولفت سيد إلى أن الكثير من حالات الخلع تحدث بسبب غياب وضعف تحمل المسؤولية عند الزوج، أو مشاكل تتصل بالانحراف الأخلاقي، بالإضافة إلى المشاكل المادية التي باتت أحد أسباب الطلاق في مصر، ولا يمنع هذا من وجود الكثير من حالات الخلع لأسباب "تافهة" كصوت الشخير خلال النوم، على حد قوله.

بدوره، يقول استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية محمد هاني إن انتشار الخلع والطلاق بمعدلات كبيرة في مصر يشير إلى غياب ثقافة التفاهم بين الشريكين، وغياب إدراك المغزى وراء العلاقة الزوجية، التي تقوم على التفاهم، والقدرة على علاج المشكلات وتخطيها بمرونة والتواد والتراحم.

ويوضح هاني للجزيرة نت أن التسرع في الزواج خوفا من العنوسة المنتشرة بالمجتمع نتيجة الأوضاع المادية الصعبة للشباب المصري؛ يعد سببا أساسيا في الطلاق والخلع، مضيفا أنه "بعد التوغل في العلاقة يفاجئ الطرفان بأن كلا منهما غير مناسب للآخر، ومن هنا تنشأ المشاكل".

الخلع في مرآة الشريعة

وبينما ترى دار الإفتاء المصرية أن الخلع في القانون المصري متوافق مع أحكام الشريعة، نجد آراء لبعض القانونيين ترى أن تطبيقه في المحاكم مخالف للشريعة الإسلامية؛ فالقانون يجعل القاضي هو المسؤول عن قرار الخلع، وهو ما يلغي دور الزوج ولي الأمر.

بينما قال الشيخ أحمد المالكي، الباحث الشرعي بمشيخة الأزهر الشريف، إن المذاهب الفقهية تنص على أنه لا يجوز للحاكم أن يجبر الزوج على تطليق زوجته، ولكن الإشكالية تكون في الحكم باستحالة العشرة.

وأوضح خلال تصريحاته للجزيرة نت أن الآية القرآنية تقول "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا". فحينما تتضح استحالة العشرة بين الزوجين بعد اجتماع "الحكمين" فيرى بعض العلماء هنا بوجوب تطليق الزوجة من الزوج.

 

المصدر : الجزيرة